“عندما استيقظت لم تكن لدي أية رغبة في الأكل إطلاقاً. كان الوقت وقت الغروب وأنا لا أحبه. إنه يذكرني بنهاية الكون. كل شيء يرقد لتستأنف المهزلة. المهزلة الكبرى العظيمة. السيرك الكبير حيث تجتمع الطبائع التي تكرر نفسها عبر التاريخ، الحب، الحقد، العدل، الظلم، النفاق، السرقة، المعاملة الحسنة المغلفة بنوايا خلفية قد تكون صادقة أولاً. والآن هو المساء مرة أخرى. كل شيء حدث اليوم لكني كنت غائباً عنه. وفي الوائع، حتى لو كانت مستيقظاً فإني في أغلب الأحيان أكون غائباً. كم من الأشياء تحصل لكنها تتكرر في هذا الزمن أو ذاك.
هذا هو المساء وهذه نهاية أشياء بالنسبة لهم، وبداية أشياء بالنسبة لي. ولكن بدونهم، لن تكون هذه الأشياء هي أشيائي. فهم الذين يشعرونني بأنهم لي. إنها لعبة جميلة وقديمة. جزء من المهزلة الكبرى، جزء من المهلة، جزء من السيرك. وكان علي أن أقمص دوراً في هذا السيرك. أنا لا أعرف الدب ولا أعرف الأسد ولا أعرف النمر. أعرف جيداً الحمار والبغل.
ولكن بما أن الناس يحتقرونهما. فإني فضلت أن أكون ثعلباً هذا المساء، خصوصاً وأن القطيع قد أنهك طيلة اليوم كله. وما أكثر ما قرأت عن أحابيل الثعلب في الكتب المدرسية وما أكثر ما سمعت عنه وأنا صغير. كان القطيع يسير جماعات جماعات في الأزقة الضيقة، وبعض النعاج المصابة بجرب كانت تجر أقدامها وحيدة قرب الجدران، وهي تمضغ همومها اليومية، وتفكر في همومها القادمة، وكيف ستجد حلاً لمشاكلها، ومن يدري فقد يداهمها الموت ليضع حداً لكل شيء.
مفهوم النعاج لا تنتهي أبداً ما أن تنتهي واحدة حتى نبدأ الأخرى، وحتى لو لم تكن لك القوة القادرة العليا والخفية لها يد في خلق هذه الهموم، إن النعاج تخلقها لنفسها ولغيرها. ورأفة بهؤلاء النعاج التي لم تأخذ درساً من نهاية وانقراض القطعان السابقة، عبر سنوات خلت، فإن تلك القوة القادرة العليا والخفية، خلقت شيئاً اسمه الموت. إنه الحكمة الصادقة.الدرس الأزلي، الذي لا زال يلقن لكل النعاج لكن دون جدوى. وها هي الآن تسير حولي بعد أن قضمت عشب غيرها اليومي، دون أن تشعر بذرة واحدة من الندم.
وتذكرت قول الشاعر العربي: “إنما العاجز من لا يستبد“. ومع ذلك فقد أصررت على أن أبقى ثعلباَ هذا المساء وألا ألعب دور النعجة. لكن لا أحد منهم انتبه إلى خطمي أو إلى ذيلي، وأنني في أية لحظة يمكن أن أفترس واحد منهم. لكمهم دائماً يظلون في غفلة مطأطئي الرؤوس أو رافعيها. يمشون بين الأزقة جماعات جماعات في بطء، وقليل منهم من كان يهرول. كانوا يتلامسون بالمناكب. وكانت أعناق بعضهم تشرئب لتلامس أعناق آخرين. إنه المساء“.
في مدينة “الصويرة” المغربية تدور أحداث هذه الرواية الثعلب الذي يظهر ويختفي” والتي يرسم فيها الراوي “محمد زفزاف” صورة عن حياة مجموعة من الهيبيين الذين فضلوا عيش حياتهم الطبيعة بدون خوف أو كلل يشربون الكحول ويدخون الحشيش ولا يخافون من رجال الشرطة، وهكذا تبدأ الرواية بوصول بطلها “علي” من الدار البيضاء إلى الصويرة لتمضية بعض الوقت وهناك يلتقي “بفاطمة” الفتاة التي تدخله إلى مجتمع هؤلاء الهيبيين وتعرفه عليهم وعلى تقاليدهم السيئة، إلا أنه لا يلبث أن يستيقظ على نفسه ليعود أدراجه إلى مدينته ويعود لممارسة حياته الطبيعية بعيداً عن هؤلاء القوم الرحل.
“الثعلب الذي يظهر ويختفي” رواية تقرأ مكامن النفس وتكشف عن أسرارها وتؤكد على أن داخل كل إنسان ثعلب مكار يحاول التحكم فيه إلا أن “النعجة” وهي الممثلة لطابع البراءة لا بد أن تظهر وتعيد الإنسان إلى عالمه وحقيقته الإنسانية البريئة.