إن أولى النهى أجمعوا على أن الحضارة الحديثة تربط الإنسان بالأرض وتقطعه عن السماء، وتعلق قلبه بمآرب الدنيا وتذهله عن مطالب الآخرة وتعمل على سوق البشر بعيداً عن الله: ونحن المسلمين أغنى الناس بمواد البناء فى هذا المجال، وفى تراثنا ما يكفى ويشفى إذا أحسنا الإدراك والإفادة، وفى هذا الكتاب إحياء لجانب مهم من مواريثنا العلمية الثمينة، تتجهم له الحياة المعاصرة، ولكنها سوف تحرم بركات الأرض الأرض والسماء إذا خاصمته ومضت إلى غايتها الأرضية بعيدة عنه (ألا وهو التصوف أو الجانب العاطفي من الإسلام).
فكيف تتحول التكاليف الصعبة إلى شئ سائغ حلو؟ وكيف السبيل إلى جعل القلب متعلقاً بربه، يملك الدنيا كى يسخرها لخدمته ويجمع المال والبنين ليكون قوة للحق؟ وكيف يتحول ذكر الله بالغدو والآصال إلى مسلك إيجابى فعال يجعل أصحابه رهباناً باليل فرساناً بالنهار؟ إن المؤلف فى هذا الكتاب خرج بالتصوف من جحره أو من صومعته ليكون طاقة محركة فى ميادين العمل والنشاط والإبداع.