ربما تكون الطبعة الجديدة من رواية الجحيم المقدس The Holy Hell بمثابة إعادة قراءة للتاريخ السياسي لعراق السبعينيات في ضوء الحاضر، في نزوع دائم للبحث عن الهوية للإنسان العربي وهو يواجه عوامل المحو والتهميش والموت.
“الجحيم المقدس” رواية تُسائل التاريخ وترتبط بالذاكرة الاجتماعية والتاريخية التي عاشتها الأجيال التي سبقتنا بالأمس القريب، أجيال فترة حكم النظام العراقي السابق للعراق وخاصة في (كوردستان العراق) والإقصاء الذي عاناه أبناؤها..
وعلى هذا، نجح الروائي عبر تقنية روائية أقرب للواقعية في توظيف مشاهد درامية ذات توليف سينمائي، وضعها في سياق تعبيري يتراكب فيه المستوى الواقعي/الأحداث، مع المستوى التخيلي السردي بطبائع صراعاته، إذ تكون حيوات أبطاله المستلبين أمام لعبة اغتراب داخلي وخارجي، حيث يواجهون أنفسهم القلقة، وصراعاتهم العميقة في المكان، مثلما يواجهون هوس السلطة التي يمثلها في المعسكر الملازم “صلاح” والخوف من رعبها، غذ يشيع حول غموض الجندي “عبد الله” والضابط “مجيد” الكثير من المخاوف والارتيابات..
تتعدّد الشخصيات في الرواية، لكن مصائرها واحدة، إذ تواجه الشخصيات المستلبة فيها أقداراً متقاربة رغم اختلاف أمكنتها (شيرين/العروس الكوردية، عبد الله/الجندي المكلف، علي الفيلي/الشيوعي، هيمن/السجين، هاشم/المتدين، صباح الرسام، العجوز الكوردية). في مقابل ذلك يورد الروائي شخصيات تصنع أقداراً مضادة (الملازم صلاح، الملازم مجيد، الضابط الخفر، طراد) هذا التعدد، وما يؤدي إليه من صراعات، دفع بالعمل إلى تسليط الضوء على الصراع كثيمة أخلاقية من ناحية، وعلى ثيمة استلاب الإنسان كفكرة أخلاقية حينما يكون وحيداً في عالم مقهور، مقصي من ناحية ثانية.. “تقدمت العجوز خطوة، حدّقت برعب هائل، كانت الجثة قد تجمّدت ولكن آثار التعذيب ما زالت واضحة عليها وثمة ندوب سوداء لطلقات رصاص قد اخترقت الجسد الفتي.
نظرت العجوز بوجه يعصره ألم هائل لا تستطيع اللغة أن تعبِّر عنه، انحنت على الوجه الميت، انحدرت دموعها، تشوّه وجهها من الألم وبكت بحرقة شديدة، شديدة، كانت أنّاتها تخرج من أعماق القلب احتضنت رأس ابنها وأخذت تنعاه بالكوردية وبصوت عالٍ (…)، مجرمين، قتلة، كلاب، كلكم قتلة ومجرمين، لعنة الله عليكم وعلى رئيسكم المجرم (…)”.
“الجحيم المقدس” تسطير دقيق لمرحلة عصيبة من عمر العراق، تنفتح بعمق على مسألة الوجود والهوية المنفلتين باستمرار؛ ومع كل نظام يأتي إقصاء آخر، ولكن بقناع جديد…