إنّ القرآن ترجمة بشرية للصور الوحيانيّة، التي لها مصدر إلهي وربّاني بالفعل، غير أنها ترجمة أنجزها الرّسول نفسه في خطاب وجّهه إلى الناس في تلك العصور القديمة الماضية وفق ثقافتهم وظروفهم ومدركاتهم. لهذا السبب، لا يجوز لنا بأي حال من الأحوال أن نقيِّم القرآن بمقاييس الحداثة السياسية والثورة العلمية وحقوق الإنسان، ولا يجوز لنا أن نتعامل معه كنصّ في العلم أو السياسة أو الأخلاق. وإذا فعلنا ذلك فإنّنا سنقترف جرماً كبيراً، وسنظلم القرآن ظلماً عظيماً. كما يحاول أن يفعل بعض الذين يقدّمون تفسيرات لبعض الاكتشافات العلمية عن طريق ربطها بالقرآن، مثل الحديث عن الذرّة والكواكب والاكتشافات الطبّية.. وغير ذلك. وهي اكتشافات معرّضة للتجاوز عن طريق اكتشافات جديدة تُخطّئها أو تنفيها، وتجعل القرآن الكريم الذي هو خطاب تعبّدي عرضة لتأويلات متهافتة تدّعي لنفسها العلم في حين أنها لا تتسق أبداً مع شروط العلم. بل هي تأويلات تضع القرآن في مواضع تقلّل من قيمته مدّعية تأكيد ما جاء فيه، وهو عمل لا يطلبه الخطاب القرآني نفسه. القرآن الكريم خطاب تعبّدي خالص. وهذا يكفي لمن يملك إيماناً سوياً وحسّاً سليماً.