قد يستغرب القارئ للوهلة الأولى أن يجمع هذا الكتاب في عنوان واحد بين حالتين: إحداهما غلب على العقول أنها تخص العزب وحدهم، دالة على تقدمهم وقوتهم، وهي “الحداثة”، والثانية تقرر في الأذهان أنها تخص العرب والمسلمين وأمثالهم، شاهدة على تأخرهم وضعفهم، وهي “المقاومة”، حتى إنه قد يسبق إلى الفهم من الترتيب الذي جاء عليه هذا العنوان أن الحداثة، على وجه العموم، تلاقى نوعاً من المقاومة، بل قد يظن بعضهم أن الحداثة، التي كانت سبباً في تقدم الغرب وقوته، تلقى من العرب والمسلمين مقاومة صريحة، وكأنهم يصرون على البقاء في حال التأخر والضعف.
لكن استغراب القارئ لا يلبث أن يزول، حين يتبين له أن المؤلف يسلم بكل ما ساد به الاعتقاد بصدد الحداثة.
ويأتي على رأس العناصر التي تشكل لب الحداثة، فعل “الإبداع”، مع العلم بأن الفعل لا يكون إبداعاً، حتى يرتقي بالإنسان درجة، أما إذا نزل به إلى رتبة دنيا، فلا يكون إبداعاً وإنما ابتداعاً، لذا، تراه يجعل من حصول الإبداع الشرط الضروري في التحقق بالحداثة، فلا يتصف بالحداثة إلا من أبدع، ويكون وصفه بها على قدر إبداعه، بل أنه يذهب إلى أبعد من هذا، فيجعل الإبداع شرطاً كافياً للتحقق بالحداثة: فحيثما وجد الإبداع، فثمة حداثة، فلو فرضنا أن هناك مقاومة ثبت إتيانها بأفعال مبدعة، لزم أن نعتبرها، سلوكاً حداثياً، حتى ولو كانت مقاومة للحداثة نفسها، إذ تكون عندئذ مقاومة لما علق بالحداثة من مظاهر أو قيم تضر بالإنسان، طلباً للخروج إلى حداثة أفضل.