يذكر الدكتور “علي شريعتي” عادة بأنه ذلك المفكر الواعي الذي استطاع بفكره الحي الذي يتعامل مباشرة مع معتقدات الجماهير أن يحمي الأغلبية الساحقة من الشباب الإيراني من التردي في حمأة الماركسية التي كانت قد طرحت في الساحة كبديل للجبهة الوطنية وغيرها من أشكال النضال التقليدي.
كان شريعتي بطرحه للإسلام على وعي بأنه يطرح شكلاً من أشكال النضال قد شوه وابتعد عن واقعه الأصيل بل وتحول إلى إطار معرفي غير مفهوم من أنصاره وأعدائه على السواء أما الأنصار فهم يدافعون عن إسلام لا يمكن الدفاع عنه فيلجأون إلى طرق وتفسيرات تزيده بعداً عن أصوله، أما الأعداء فهم نافرون كارهون يرون في الإسلام تخلفاً… ويرى شريعتي أن الحق معهم فإن الذي قدم لهم كإسلام ليس من الإسلام في شيء، ومن هنا كان شريعتي يعمل في مجالين: المجال الأول تنقية الإسلام مما لحق به من شوائب وإعادة وجهه الثوري الذي يغير ويبدل ويخلق.. والمجال الثاني هو بيان كيف انقلب هذا الوجه الثوري شديد التقدمية إلى هذا الواقع الأليم الرجعي الذي يدفع بالشعوب إلى النوم والتكاسل والتواكل.
وهذا هو الميدان الجماهيري الذي وجه فيه شريعتي نفسه.. وأولئك الذين تابعوا أحداث الثورة الإسلامية في إيران في عامها الدامي طالما تساءلوا بشغف واستغراب: كيف تحول عامل من عوامل التخدير والتكاسل والقعود في مجتمعات أخرى إلى عامل يقظة وقوة وثورة وحركة في هذا المجتمع؟! الجواب هو: شريعتي وما قام به شريعتي.. وما كتبه شريعتي؟!
1-وهذا الكتاب الذي بين أيدينا يقدم بعض الأعمال التي تناول فيها شريعتي عملية تنقية مفهوم الدين وإعادته إلى صيغه الأولى وبخاصة تلك الأعمال التي تتسم بالحماهيرية وتتميز بالمباشرة.. وتتصف بهذا الوضوح الذي يميز ما يقدم إلى الجماهير مباشرة من فكر وهي بالطبع غير أعماله الفكرية التي تتسم بالبعد التنظيري مثل “معرفة الإسلام” و“تاريخ الأديان” و“الحضارة والمدنية“.
هذا الكتاب هو ترجمة لرسالته الشهيرة “أبي أمي نحن متهمون” وفيها يتناول شريعتي حيرة الجيل الشاب حول ما يرونه من مظاهر الدين وما يقدم إليهم على أنه أصول الدين، وبين ما يسمعونه غير مخفين سخريتهم من هذا الدين الذي يرونه. ويرد عليهم شريعتي متناولاً هذا الذي يحتجون عليه مظهراً مظهراً وشعيرة ومبيناً إلى أي مدى ابتعدت هذه الشعائر عن أصولها وكيف انقلبت هذه العقائد إلى غير المراد منها تماماً.
وغني عن الذكر أن المناقشة هنا لا تتناول مدى صحة المذهب الشيعي من عدمها ومدى حقانيته أو بطلانه.. فليس هذا مجاله.. المقصود هنا بيان كيف استطاع مفكر واع عظيم مثل شريعتي أن يتعامل مع المادة الموجودة تحت يده ويحولها من مادة خمول وضعف واستكانة واستسلام إلى مادة نضال وثورة وحركة وتغيير.. ومعجزة.. وهو أمر لا يمكن فهمه عن طريق التلخيص…