الرؤية الإسلامية والمسألة الحضارية : دراسة مقارنة
هذا الكتاب … محاولة لقراءة معاصرة في المسألة الحضارية؛ ذلك أن قصة الحضارة كانت وما زالت مطروحة على مستوى (الذات) و (الآخر)، من دراسة في عوامل السقوط والنهوض وأسباب الوهن الحضاري، ومحاولة قراءتها من خلال الخضوع للسنن الناظمة والضابطة لمسيرة الحضارة، من بدء النهوض إلى مراحل الأفول والانقراض. إن القيام بمقارنات ومقاربات حضارية على غاية من الأهمية؛ لأنه يشكل المقدمة الضرورية لمحاولة الإجابة عن التساؤل الكبير والصعب: إذا كانت الحضارة الإسلامية بهذه الخصائص المتميزة عن الحضارة الغربية، وإذا كانت الحضارة الغربية بكل مثالبها، التي عرض لها البحث، تعاني من هذه الإصابات، فأين الإشكالية إذن؟ وأين الخلل الذي يعاني منه واقع المسلمين، وكيف نعالجه؟
ولعل الأهم الخلوص من هذه المقارنات والمقاربات إلى الاهتداء إلى موطن الخلل، ووضع رؤية حضارية استراتيجية في ضوء الإمكانات المتاحة والظروف المحيطة لكيفية المعالجة وتوفير شروط الإقلاع الحضاري. لذلك فقد يكون المطلوب اليوم التوجه صوب بحوث جريئة للقيام بمقاربات بين قيم الوحي وبين واقع المسلمين وواقع حضارة الغالب، وتقديم الدراسات المجدية، التي تستوعب الواقع الحضاري وتحدد موقع المسلمين فيه وكيفية التعاطي معه والإفادة منه؛ ذلك أن الفقه الحضاري الغائب عن الواقع الثقافي الإسلامي اليوم يتمحور في أهمية إعادة قراءة قصة الحضارة الإنسانية في القرآن، والتأمل في قوله تعالى، بعد أن ذكر عوامل النهوض وبين أسباب السقوط : { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ } [القمر:17] ؟ فأين الادكار الذي يقودنا إلى الاعتبار؟ وأين الاعتبار الذي يصوب المسيرة ويحقق الشهود الحضاري؟