أصبح الفكر الإسلامي في ظل هذه الوضعيات مسكوناً بهاجس الخوف على الهوية، وأنه بات معرضاً للغزو الفكري والاختراق الثقافي، لذلك لم يعد بامكانه تطوير معرفته بالديمقراطية التي زج بها في معترك الصراع الإيديولوجي، حين حاولت هذه الإيديولوجيات انتساب الديمقراطية لها، واعتبرتها من مقولاتها العظمى، التي بالغت في تبجيلها والتفاخر بها. الوضع الذي خلق حاجزاً نفسياً يمنع ويعرقل اقتراب الفكر الإسلامي من فكرة الديمقراطية، خصوصاً بعد أن كانت تصور هذه الفكرة بتلازمها الذي لا ينفك مع العلمانية تارة، وانتسابها مرجعياً إلى الفلسفة الليبرالية تارة أخرى. التلازم والانتساب الذي وضع هذه المرة حواجز فكرية وثقافية وقيمية أمام الفكر الإسلامي من الاقتراب والتفاعل مع فكرة الديمقراطية. فأصحاب هذه الإيديولوجيات ساهموا في دفع الفكر الإسلامي، لتكوين صورة ملتبسة وغير ناضجة عن الديمقراطية.
لهذا فقد غلب على الفكر الإسلامي في هذه المرحلة، النظر إلى الديمقراطية من وجهتها المذهبية والفلسفية، الكلية والعامة، والتي تعارض من هذه الجهة الإسلام والنظام الإسلامي.
وهذا ما تحدث عنه شارحاً له الدكتور محمد المبارك في كتابه هذا فالديمقراطية كما يقول باعتبارها (نظاماً سياسياً في أوروبا، اقترنت بأفكار ومفاهيم عن الإنسان والمجتمع، وانبثقت عن فلسفة لا يقبلها الإسلام، وقد تتعارض مع فلسفته ونظرته في كثير من نقاطها.. وخلاصة القول إننا إذا اعتبرنا الديمقراطية مذهباً اجتماعياً قائماً بذاته، فليس لنا أن نقول إنها من الإسلام، أو أن الإسلام يقبلها، إذ هما مذهبان مختلفان في أصولهما وجذورهما وفلسفتهما، ونتائج تطبيقهما