إن البحث في سيرة النسق الثقافي والتاريخ البشري، هو بحث في منظومة المفاهيم والمصطلحات مستقرأة من بطن السرديات حين تحول المجتمعات تاريخها إلى مدونة سردية.
وبجوار حقيقة أن البشر يخلقون سواسية، لا فرق بينهم، نرى أن البشر يجهدون لانتهاك هذه الحقيقة، وتسعى كل أمة لكي تثبت أنها الأفضل والأعلى، يظهر ذلك لدى الأمم والشعوب، كما يظهر لدى الجماعات ولدى فرق مباريات كرة القدم وجمهورها. وهكذا تسعى الجماعات لتحويل ما هو طبيعي وفطري إلى مشروع لإحداث فروق تمييزية وصناعة نسق متعال ومنفصل.
هذا ما أردنا مناقشته في هذه الكتاب، حريصين على التفريق الدقيق بين القبيلة والقبائلية، فمصطلح القبائلية كما نستخدمه هو مصطلح غير محايد، بل هو مفهوم انحيازي، عرقي، يقوم على الإقصاء والتمييز. بينما القبيلة، تعبير محايد، فهي قيمة اجتماعية وثقافية واقتصادية نشأت لضرورة معاشية.
وهكذا هو الأمر في التمييز بين الطائفة والطائفية، والمذهب والمذهبية، كما التمييز بين الشعب كعبارة محايدة وطبيعية، والشعوبية، كمفهوم تمييزي إقصائي.