كانت قضية الاستقلال عن بريطانيا هي الشغل الشاغل لمُثقفي مصر في بدايات القرن العشرين، فلم تَغِب عن كتاباتهم الصحفية والأدبية باختلافها، وعملوا جهدَهم على إذكاء روح التحرر في صدور المصريين، وحَفْزهم على مُجابهة الاحتلال، ولكن الخَطْو نحو الحرية لم يكن سهلًا ميسورًا؛ فالفترة التي قضاها المُحتل بالبلاد لم تكن بالقصيرة، وتَدخُّله في شئون البلاد لم يكن بالهَيِّن؛ فقد أحدث تغييرات جذرية في نظامها التعليمي والثقافي بما يخدم مصالحه، وعمل على استبدال عاداته الغربية بالأصيل من تقاليدنا الحميدة، بحيث أصبح الكفاحُ نحو الاستقلال أشملَ وأعمَّ من توقيع اتفاقية جلاء أو انسحاب بعض الجنود وغلق معسكراتهم، بل كان هناك عملٌ مهم ينتظر أصحاب الأقلام الوطنية المُخلصة ليُنبهوا المصريين إلى التحصُّن بأسس استقلالهم الثقافية؛ وهي اللغة العربية وموروثاتنا من التقاليد الحميدة، وبالطبع العقيدة الدينية، وهي الأسس التي أفرد «زكي مبارك» هذا البحثَ في بيان أهميتها.