وقعت عينها على تلك الحلقة البراقة ملقاة في الفلاة فلم تقاوم جدة الزعيم والتقطتها، لربّما فطنت إلى أنَّ تلك الحلقة من المعدن المحرم، وتغاضت، وقد تكون خالتها فعلاً من النحاس… ظنّت أنها فرت بصيدها حتى جاءتها تلك المرأة بارعة الحسن، فارعة القامة، مقوسة الحاجبين.. أقبلت عليها وهي تخض اللبن وقت الغسق وطلبت منها أن تعيد الحلية التي سلبتها دون وجه حق! وعندما استدارت الغريبة موليةً شاهدت الجدة ذلك الذيل الطويل المتدلي خلف تلك المرأة.. فتأكدت أنها ليست من بني البشر!!” هذه واحدة من الأساطير التي حوتها هذه التحفة الرائعة..سيمفونية صحراوية بديعة؛ بديعة بخرافاتها، بديعة بأسلوب سردها، بلغتها الجزلة، بتفسيراتها المتعددة، بحكمتها الفائضة وبوصفها الشفاف كالأحلام والأشد واقعية من الواقع. في هذا الكتاب يأخذك الكوني بقلمه الصحراوي لتزور كهوف تادرارت ذات النقوش العتيقة، وتسرح مع قطعان الودّان الطليقة، سترى بعينك الآبار السحيقة، وتطرب أذنيك لأنغام آمزاد الشجية.. ليست الأخبار سارة دائماً، فهناك مؤامرات، هناك قحط وجفاف، هناك غبار القبلي الذي يصفع الوجه ويلقي بالعمائم، لكن ما تسمعه الآن هو عواء الذئب.. وحش الفيافي الذي يبكي موقناً بأنه بعد وجبته الوشيكة سيقضي أياماً طويلة من الجوع..