الشعرُ صوتُ الشاعرِ مُتحدِّثًا وصامتًا، هو لسانُ حالِهِ إنْ أَسْكَتَتْه خُطوبُ الحياة، وأخرَسَه الأَلَم. غيرَ أنَّ شاعرَنا «إلياس أبو شبكة» — وقد تلبَّستْهُ أمراضُ الهَوى، فشَمِلَتْ رُوحَه بألوانِ العَذاب، وعبَّأتْ قلمَهُ بحبرٍ أحمرَ دامٍ، واستَولى على جسدِهِ الوجَعُ — نراهُ في قصائدِهِ هذهِ لا يَقْوى على بثِّ شَكْواهُ بضميرِ المتكلِّم، بل يَعْرِضُ حالَهُ وكأنَّهُ آخَرُ سِواه، تُغيِّبُه المُعاناةُ عن نفسِه، فيَلجَأُ إلى ضميرِ الغائِب؛ فهُو «الملِكُ الغائبِ» ﻛ «مَلِكٍ آلامُه الصولجانُ»، وهُو «المريضُ العاشقُ» الذي «يُطعِمُ اليُتْمَ قلبُه»، وهو الذي تَتراءَى له فَتاتُه في الحُلمِ «شَبحًا داميًا» فيَفزعُ إلى أمِّه تُهَدْهِدُه، وأختُهُ «تُوالي البكاءَ والزفير»، يَهْذي في الظَّلام، ويتَّصلُ ليلُه بليلٍ دونَ صَباح، لكنَّهُ يظلُّ على حالِهِ صامتًا، يُسائِلُ الفِراقَ عنها: «ما جَرى للفَتاة؟ أينَ هيَ اليوم؟ أجبْنِي يا باعثَ الأَوْصاب»!