إن ما عرفه المسلمون عن حضارة الصين يزيد على المعروف منها لدى الناس في الماضي. كما أن ما نقله ابن بطوطة عند الصين يتفوق على أوصاف ماركو بولو، الذي استعسى عليه التقاط الأساسيات الحضارية لبلاد لم يكن يملك الاستعداد المسبق للتعامل معها على هذا المستوى بسبب قدومه من بيئة مختلفة، مما تلمسه كراتشكو فسكي في “تاريخ الأدب الجغرافي العربي-فصل ابن بطوطة” وكان ابن بطوطة آخر مسلم يسيح في الصين إذ جاءها والحضارة الإسلامية تلج في سم الخياط. والباحث في هذا الكتاب يحاول أن يجدد عمل ابن بطوطة، فيكون رحالة هذا القرن في بلاد الصين بأسلوب معاصر. حيث وبعد رحيله إلى الصين وخلال إقامته عمد إلى الغوص في الفلسفة الصينية، والرجوع إلى مصادرها المكتوبة بالإنكليزية، مقبلاً عليها إلى حد استيفاء الاطلاع على الخطوط العامة للمدارس الفلسفية، شارعاً من ثم الاختلاط في شؤون أهلها مخترقاً محرماتهم للتعرف عليهم عن كتب، بعد أن أمضى بينهم حتى كتابه سطور كتابه ست سنوات، للذي أودع فيه الخلاصة مما عرفه عن ماضي الصين، وهذا ما عنى الباحث أولاً، لأن الصين من البلدان التي ماضيها أعظم من حاضرها.
سيجد القارئ أن أوسع أبواب الكتاب هو باب الفلسفة، وذلك للحكمة الشرقية التي وجدها الباحث والتي عنها يبحث الغرب وتستعصي عليهم. بالإضافة إلى أن القارئ بحاجة إلى مخزون حضاري ساهمت الرحمة والحنان بالبشرية بصنعه دون إغفال حق الدفاع عن النفس في وجه الثروة والقوة بعدما عانوا ما يزيد عن الكفاية من قهر الحكام وتسلط الأقوياء والحكمة الصينية هي ما يؤلف مع التصوف القطباني في الإسلام فرعين متكاملين للحس الإنساني يستريح إليهما المتعوب فيها يجهدان به كلاً برسائله الخاصة لرعرعة شخصية إنسانية حرة تتمسك بازدراء ما يتمتع به الأقوياء وحكامهم من وسائل التسلط. بالإضافة إلى ذلك يضم هذا المستطرف الصيني ما عدا هذا ثلاث أبواب خصص أحدهما لإضاءة جوانب من تاريخ الصين وحياتها الاجتماعية ولغتها وأديانها ومنجزاتها الكبرى في التكنولوجيا والصناعة، والآخر للآداب، والأخير لتاريخ التبادل الثقافي بين الحضارتين الصينية والإسلامية.