ينتقد فيه طريقة تفكير الإسلاميين الذين لا يعيرون تغيّرات التاريخ الكبرى كثيرًا من الاكتراث، ممّا يجعلهم لا يفهمون الفرق بين حال الدولة الإسلامية والأحكام الشرعية والقانونية التي كانت آنذاك، وبين الواقع الراهن، وفي سعيهم إلى تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية يسقطون في حالة اغترابٍ وإحباطٍ تجاه هذا العالم، ويُغذّون عقدة المؤامرة من حيث لا يشعرون، من هنا يدافع تيزيني عن شرعية القراءة المعاصرة والتاريخية للقرآن الكريم بصفةٍ خاصّةٍ والنصوص الشرعية بصفةٍ عامّة، هذه القراءة التي يتصوّر أنّها تضمن واقعية الإسلام، ولكنّ ذلك في الحقيقة كما يبدو – وكما سنعرف لاحقًا في هذه الدراسة – هو بمثابة لعبٍ بالدلالات الشرعية، وتحريفٍ للنّصوص، وتأويلها على غير القصد الذي أريدت له، بل تكرار لما جاء به المستشرقون سابقًا وأفنوا أعمارهم فيه، سعيًا منهم إلى محاولة تقويض هذا الدين وهدم أركانه
فالطيب تيزيني يصرّ على ضرورة تفسير القرآن الكريم كلّه بناءً على الظروف التاريخية التي نزل فيها أوّلًا، وهذا يعني في نظره أنّ النصّ الديني (الوحي) يفقد قدرته على إنتاج الأحكام؛ لأنّه ارتبط بتاريخٍ زائل، ويعني من جهة ثانية الاستمرار في جرّ الإسلام لمباركة الواقع الجديد وإضفاء صفة الشرعية عليه، لكنّ ما خفي عن هذا المفكّر هو أنّ القرآن الكريم يتّسع لسائر الأفهام والاجتهادات، ومنسجم مع سائر المذاهب والفلسفات، ومتلوّنٌ مع سائر التطورات والأحوال.
و اهتم طيب تيزيني في مشروعه “الفكري” بتقديم ما اعتبره رؤيةً أو قراءةً جديدةً للنصّ القرآني، منطلقًا من مفاهيم الثقافة الغربية الحديثة، ومُسقطًا مقولاتها على دستور هذه الأمّة، ولقد تناول هذا الباحث موضوعات علوم القرآن التي تقرّرت أصولها ومُحّصت مسائلها ليجيء في الأخير بكتابٍ أراد به خلخلة ما اتّفق عليه علماء المسلمين، عن طريق إثارة الشكوك والشبهات، مستنسخًا لآراء استشراقيةٍ قديمةٍ تطرّق لبحثها العلماء وأماطوا اللثام عن الالتباس أو الاشتباه فيها، وبيّنوا الحقّ لمن يريده ويطلبه.