خرج حسين من السجن كأشبه ما يكون بالهيكل العظمي في نحوله وضمور لحمه. لم يكن الخروج في حد ذاته حدثًا سعيدًا، بل مخاضًا عصيبًا طال انتظاره، فكأنه وليدٌ جديدٌ خرج من رحم الحبس قسرًا بدمه وقَيْحِه. حياته في الأيام الأولى كانت مؤلمة وعصيبة، كل حركة فيها مُضْنِية، فالمشي على قدمين كان صدمة، ورؤية النور كانت صدمة، وتنفُّس الهواء الطلق كان صدمة؛ ذلك أنه قضى قرابة العام الكامل أمام حائطٍ مصمتٍ صار جزءًا من إدراكه وعنصرًا ثابتًا في رؤيته للأشياء، وفي ظلامٍ شبه تام صار غشاءًا دائمًا يُغلِّف عينيه، ووسط هواء مُنْتِن صار رائحةً طبيعيةً لكل شيء. أما الآن، وفي دنيا لها سماء صافية وأرض تمتد للأفق البعيد صار الفراغ بالنسبة له اتساع سرمدي مخيف
——–
النُّمرُوذ .. رحلة أوديسيَّة عصيبة لشابٍ نشأ في بيئةٍ عدائيَّةٍ متنافرة. تبدو الخيارات أمامه واضحة، والهدف محدَّد، يشق سبيله إليه بإيثولوجية شرسة، مثيرًا الفوضى ومُعْمِلًا التحطيم في حياته وحياة من حوله. بوتيرة تصاعدية سريعة، تَزِلُّ الأقدام في مستنقع سُواخ، لا مناص منه إلا لعين دوَّامة تدور عليها أمواجٌ متقاذفة، تودي إلى قعرٍ معتمٍ عميق
ترسم «النُّمرُوذ» جاليريا وافية لتناقضات عائلة الجارحي الكبير، من حيث جمعها بين الضراوة، والتخاذل، بين التجبُّر، وتصاغر النفس ذُلًا ومهانة، بين اِزْدِرَاءٍ الآخرين، وتدنِّي احترام الذات، بين الغلو في الزَّهْوِ، والانغماس في الشَقَاء، بين جموح الأحلام، وكفر النِعَمْ