من المتفق عليه أن أوامر الشريعة الإسلامية تنقسم في جملتها إلى ما يتعلق بأقوال وأفعال ظاهرة كالصوم والصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والسعي في مصالح المسلمين ، وإلى ما يتعلق بالنفس والقلب كالإخلاص والتواضع والحب في الله والبغض فيه والخوف من وعيد الله تعالى والأمل في مثوبته ورضوانه .
وكذلك النواهي فهي تنقسم في جملتها أيضاً إلى ما يتعلق بظاهر الأقوال والأفعال ، كالنهي عن القتل بغير حق والسرقة والزنى والغيبة والنميمة ، وإلى ما يتعلق بأعماق النفس أو القلب كالنهي عن الكبر والعجب والرياء والحقد والضغائن والتعلق بزخارف الدنيا وأهواء النفوس .
ومن المتفق عليه لدى المسلمين جميعاً أن ما يتلبس به المسلم من الطاعات الظاهرة المتعلقة بالأقوال أو الأفعال ، لا يستقيم على حالة من القبول عند الله تعالى ما لم ينهض ويرتكز على تلك الطاعات الأخرى المتعلقة بطوايا النفس والقلب .
فإذا لم يتوفر الإخلاص لله في القلب لم تثمر الطاعات الظاهرة على اختلافها أي قرب ألى الله جل جلاله ، وإذا لم تتهذب النفس بالأخلاق الفاضلة التي أمر الله المسلم بأن ينسج منها ثوباً سابغاً خفياً لها ،لم يغنها أي غناء ما قد يلبسه صاحبها على مرأى من الناس من ثوب الصلاح والتعبد والتقوى .
والقلب الذي سيطرت عليه نوازع الكبر أو الضغائن والأحقاد أعجز من أن يمد الطاعات والعبادات الظاهرة بشريان العبودية لله تعالى . وإذا انقطعت روافد العبودية مما بين قلب المسلم وظاهر طاعاته ، لم تعد فيها أي قدرة على تقريب صاحبها إلى الله جل جلاله ، ولم يبق فيها أي وقاية تحجزه عن مطارح الدنيا ومنزلقات الشياطين والأهواء وعاد شأنها كالثمار التي ألصقت إلصاقاً بأشجار يابسة ، هل ينتظر بها إلا الذبول والفساد ؟.