“الموت.. موت.. الأغنيات.. أغنيات. صوت الجوع يتغير إلى نواح رافديني طويل. تسير السيارة بنا بسرعة، وعيناي ترمقان كل شيء وكأني أسجل للذاكرة انتهاء زمن وبداية أزمان أخرى. وحينما وصلت نقطة الحدود، تركت العالم الأثيري الموغل في حقارته، ولأدخل عالماً جديداً مليئاً باللاحرب واللاحزن، أما الوطن فبقي خلفي يئن من الجراح لمديات غير معرفة وكأنها إلى الأبد.
سلاماً عليك يا رياض إبراهيم. سلاماً أيها الوطن ونحن نفر منك إلى المجهول الآخر، سلاماً يا جبال بخير وشقلاوة. سلاماً لمكتبات الجوع المزمن والكتب المصادرة. البيشمركة ينتشرون على الطرقات. البيشمركة ينامون تحت كل المسميات. شعرت بالاختناق وأنا أقدم أوراقي لمكتب الحدود، أطفالي صامتون، أما زوجتي فكانت مثل حجر الصوان القاسي وهي تضع آخر الشهادات عن الزمن المر. سلاماً أيتها الروح، والبهاء المتطاول لك أيها العراق، لم أكن أدري ولا في علم الغيب هل سأقبلك مرة أخرى أيها الوطن، أم أني سأضيع من جديد في طرقات السفر الملتوية والهائمة. هذه هيماناتنا الجديدة. مسلخ الدروب المتعرجة، ونحن مثل غجر الجبال العارمة، سوف نتوه في المؤانى والطرقات ودروب المهربين المتشحة بالألم.