منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر تنادت صيحات مدوية في العالم الإسلامي، مزقت جدار الصمت الذي هيمن على حياة المسلمين طويلاً. وقد كان صوت السيد جمال الدين الأفغاني وقتئذ هو الصوت الهادر الذي فوجئ به الإستعمار والسلاطين وأتباعهم، إذ توغلت المقولات الإحيائية لجمال الدين في الأعماق، فنفذت إلى أهم الحواضر العلمية الإسلامية، وإنتشرت بين الوسط المتعلم، وتجاوبت معها شريحة من الجماهير المسلمة.
ومنذ ذلك الحين ظهرت طائفة من المصلحين والمجددين في فضاء التربة التي حرثها موقظ الشرق جمال الدين. وكان توالي ظهور المصلحين في القرن الأخير، في مشرق العالم الإسلامي ومغربه، علامة أكيدة على إستيقاظ الامة وإنخراطها في صناعة التاريخ، بعد أن رقدت في نوم إستمر مدة غير محدودة، ولولا ما يختزنه تراثها من إمكانات نهوض لما إستطاعت أن تنجب أولئك المصلحين في العصر الحديث.
تحدث في هذا الكتاب عن وظيفة الفلسفة في بناء النهضة، وواقع الدرس الفلسفي في الحوزة العلمية في ضوء تحديات الحاضر ومتطلبات المستقبل، ثم نشأة ومسار الدرس الفلسفي في النجف الأشرف، بإعتبار الحوزة في النجف أعرق حضارة علمية إسلامية لم يندثر عطاؤها، وبعد ذلك رافق أبرز الأعلام الذين تخرجوا في مدرسة النجف الفلسفية، وهو العلامة الطباطبائي، في محاولة لإكتشاف دوره في تحديث الدرس الفلسفي في الحوزة، وفي الختام تناول بإيجاز منهج الدرس الفلسفي عند تلميذه الشهيد الشيخ مرتضى المطهري.