شعرتُ بألم مضنٍ في الرابع من كانون الأول/ديسمبر عام 2010 عندما تعرّضتُ للإيقاف عن الكتابة الصحفية؛ إثر مقالة نشرتُها بعنوان: “كم عمر أصغر مسؤول لدينا؟“، التي تمنيت في أحشائها أن تنتشر عدوى استقالة مؤسس تويتر ومديره التنفيذي السابق، إيفان وليامز ، في مجتمعاتنا، التي جاء في مطلعها: “استقلتُ من إدارة تويتر؛ لأن بناء الأشياء هو شغفي. لم أكن يوماً شغوفاً بالإدارة. سأترك المكان لغيري؛ لأعود إلى ممارسة ما أحب”. اعتقلني الحزن كوننا نتشبث بالبقاء، في حين يتوق غيرنا للبناء. أوصدت أبواب الأفراح في صدري جرّاء ردة الفعل الغاضبة على مقالة قصيرة. لم أجد سوى التدوين طوقاً للنجاة، بل لم أجد غير تويتر، التدوين المصغر، الذي تسبب في إيقافي، متنفساً وملاذاً. منحني تويتر سعادة عارمة مع كل تغريدة أكتبها. وأخرى أتصفّحها. سعادة نقلتني من ضفة الحزن إلى السعادة. غيّر تويتر نظرتي تجاه الكثير من الأمور. جعلني أكثر شجاعة على البوح. وأكثر إقبالاً على الاختصار، وأكثر بعداً من الاحتضار.
اكتشفت بفضله أن أعظم النجاحات تأتي بعد أقسى الصدمات. كان نجاحي هو عثوري على أصدقاء جدد أستظل بظلهم. أغفو على وسائد حروفهم. وألتحف كلماتهم. أحلم معهم وبهم.
هؤلاء الأصدقاء وهبوني أياديهم؛ لأهبط على شاطئ مبلل بالفرح، وأغرّد معهم، وأنسى همومي. كتبت تغريدات كثيرة، كثيرة جداً. نسيت إثرها الكتابة التي كنت أقترفها قبل تويتر. فعندما رفع الإيقاف عني وجدتني غير قادر على العودة إلى سابق عهدي. حاولت أن أكتب المقالة الطويلة من دون جدوى. كنت أتعثّر في كل مرة، ولا أكمل شيئاً. بعد محاولات عديدة، قررت أن أستخدم التغريدات التي كتبتها كبذور لمقالات مطوّلة، فوجدتها حلاً ناجعاً، واستثماراً ناجحاً. صار تويتر، لاحقاً، ورشة عملي. التغريدة التي تنال اهتمام الأصدقاء تعني أنها مشروع مقالة ناجحة. والتغريدة التي لا تترك أثراً يُفضّل نسيانها، أو تطويرها حتى تنضج.إيقافي أعادني إلى مشاريعي المؤجلة. ودفعني إلى إصدار كتابيّ: “كخه يا بابا… في نقد الظواهر الاجتماعية”، و”مضاد حيوي لليأس… قصص نجاح سعودية”، بعد أن كانا مشروعين مُتعثّرين في رأسي. أدركت حكمة رب العالمين عندما قال تعالى في محكم تنزيله: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 216].
لقد ساهم إيقافي عن الكتابة باستكشافي لعوالم جديدة، ومساحات جديدة ربما لم أكن سأظفر بها لو لم أُوقف. إننا دائما نحزن على خسارتنا أشياء ربما يكون فقدانها خيراً لنا. ونقاتل في سبيل استعادتها بكل ما أوتينا من طاقة. لكن هل سألنا أنفسنا: هل هذه الأشياء تستحق كل هذه المشاعر والأحاسيس والجهود التي أهدرناها في سبيلها؟ هل جرّبنا أشياء أخري بديلة منها؟ إن تمسكنا بالعادات نفسها هو سبب رئيس للإحباط العارم الذي يقطُننا. حياة الكثير منا تخلو من التجارب الجديدة والمغامرات المثيرة. هذه التجارب هي التي تمدّنا بتحدّيات وفرص جديدة لم نكن نحلم بها مُبكِراً.
دخل، إلغرنون فورس، موظف بريد إمريكي متقاعد، تويتر، بحثاً عن مُتعة يقضيها بين أروقته. لكن فوجئ بمتابعة كبيرة لحسابه تجاوزت مئتين ألف متابع في وقت قصير نسبياً. السيد فورس لا يقدم شيئاً جديداً، لكنه يقدم نفسه كما هو. يغرّد عن كل ما يسمعه ويشاهده بعفوية. دفعت هذه العفوية المئات لمتابعته والاستمتاع بما يطرح. اليوم عشرات الشركات التجارية تخطب ود السيد فورس؛ لكي يعمل “ريتويت”، إعادة نشر تغريدة، تتحدث عن منتجاتهم. أو على على أقل تقدير تمني النفس في أن يتكرم بإبداء رأيه في أحد منتجاتهم، التي وصلته بالبريد مجاناً، في تغريدة. سعادة فورس كبيرة ليس لكونه يملك رصيداً كبيراً من المتابعين، أو يتلقّى هدايا بصفة مستمرة، بل لإنه حقق ذاته واكتشف أنه يملك شيئاً يستحق المحبة والمتابعة بعد أن أهدر ردحاً من الزمن فقيراً من المحبين.
لا يوجد شعور أعظم من أن تشعر بأنك محبوبٌ. شعور لا يُشرى بالمال. هذا الشعور يوفّره لك “تويتر” عبر رد يصلك من صديق بعيد، بعيد جداً. لم تحلما أن تتعانقا بهذه السهولة، وهذا السخاء. جميعنا فقراء وبحاجة إلى تبرّعات معنوية. وهذه الكلمات الصغيرة التي تُضيء تنويهات صفحاتنا بتويتر تغذّينا بالكثير من البهجة، التي نفتقدها كثيراً في هذا العصر المُتخَم بالآلام.
في هذا الكتاب، أحاول أن أوثق تجربتي المتواضعة مع “تويتر”. هذه التجربة التي خرجت من رحم الألم وحوّلته إلى أمل. هذه التجربة التي منحتني الكثير على كافة الأصعدة. لقد قررت مبكراً أن يحوي الكتاب تغريداتي حول الأمل والتفاؤل والسعادة. لكن اقترح عليّ صديقي وشقيقي فيصل أن أرفق مع العبارات رسوماً مستوحاة منها. أعجبتني الفكرة كثيراً، وانبرى فيصل لتنفيذها على جناح السرعة. اتفق لاحقاً مع الرسامة الشابة، أماني محمد الحتيرشي التي ترجمت العبارات برؤيتها الخاصة. ورأيت أن أُدرج التدوينات المطولة، التي نهضت من “بذور” التغريدات؛ حتى يكتمل الكتاب وأشجّع الأصدقاء على عدم الركون للتغريدات ومحاولة استثمارها في مشاريع أكبر ينثرون من خلالها أفكارهم بتأنٍ وتؤدة، فلا شك في أن الاختصار فعل عظيم. لكن ينبغي ألا يُنسينا أننا ما زلنا بحاجة إلى الكثير من التدوينات المطولة، والمقالات، والكتب التفصيلية، التي تقودنا إلى المزيد من التفكير والتأمل والبحث.
إنني أتطلع حقاً أن ينال هذا الكتاب المتواضع قبولكم، ويمنحكم الكثير من السعادة والتفاؤل والأمل، وتذكّروا جيداً أن الكلمات مثل السلالم تأخذكم إلى الأعلى أو إلى الأسفل. لكنكم وحدكم من يحدد الاتجاه. جعلنا الله وإياكم في صعود مستمر.