هو آخر أعمال المرحوم الدكتور طه جابر العلواني، وفيه كشفٌ عن البلورة المعرفية والفكرية للعلواني؛ إذ يُبرز لنا هذا السِّفر منهج العلواني -في موئله ومعاده- في التعامل مع القرآن الكريم، ضمن رؤية ثاقبة بأن القرآن الكريم يفسّر بعضه بعضاً في صورة بنائية متماسكة؛ فهو النصُّ المؤسٍّس والمهيمن، الذي يضمن للشخصية الإسلامية نقاء هويتها، وللبشرية سرّ سعادتها.
المنهج كلمة مركزية في رؤية العلواني؛ إذ من خلالها تتبيّن العمليات والممارسات المنطقية، وتكشف عن قدرة الباحث في الكشف عن العلاقات السببية بين الأشياء بصورة “علمية”. وهذا التفسير هو منهج في المنهج، وتفكيك واعٍ للبِنات المنظومة القرآنية، للكشف عن معالم التصوّر القرآني للوجود، وإحياء للرؤية النبوية في تعاملها مع القرآن المجيد، بوصف تلكم الرؤية بياناً للنص المؤسِّس.
“تفسير القرآن بالقرآن” خلاصة تجربة العلواني الممتدة عبر الزمان والمكان، وتتجلى فيه رؤيته لكثير من القضايا -المعرفية والفكرية والثقافية والدينية- التي بثّها في كتبه ومؤلفاته ولقاءاته.
وفي السنوات الأخيرة من حياته، ركز جهده في تأسيس لبنات مشروعه في خدمة القرآن المجيد لإعادة كتابة “علوم القرآن” على الوجه الذي يساعد على تقديم القرآن المجيد لأبناء هذا العصر باعتباره كتاب استخلاف، وكتاباً معادلاً للوجود وحركته. فقدّم سلسلة طيبة في (الدراسات القرآنية)، تهدف إل تقديم منهج يساعد على إعادة تلاوة القرآن “حق التلاوة” وقراءته بوعي قادر على استيعاب وتجاوز شروط الوعي العالمي المعاصر بمناهجه المعرفية. وهو -بذلك الجهد الاستثنائي- يؤكد أن القرآن المجيد المكنون قادر على مخاطبة عالم اليوم في أعلى درجات تقدمه، وفي مستوى سقفه المعرفي، كما هو قادر على إخراج الإنسان المعاصر من أزماته إن تمكن حملة القرآن الكريم من اكتشاف خصائصه، ومنها على سبيل المثال: “لسان القرآن” و”الوحدة البنائية للقرآن المجيد” وغيرهما، وتفعيل مدلولاتها في الواقع الإنساني.