إن كتاب محمد شكري عن جنبيه في طنجة يمثل صورة متكاملة عن جان جنيه، وسيتابع القارئ أحداثه بحواسه حتى ليخيل إليه أنه يسمعه بوضوح كما لو أنه يشاهد فيلماً. ومن أجل أن يحقق الواحد دقة من هذا النوع عن طريق سرد الأحداث وتسجيل ما قيل فيه على المرء أن يمتلك صفاءً نادراً في الرؤية يملكه كانت هذه المذكرات بحق.
لم يقتصر هذا الكتاب على لقاء محمد شكري بـ“جان جنيه” بل هو ضم في طياته لقاءه مع تينسي وليامز. وكتاب شكري هذا يصف لقاء من الصنف الثالث. فحينما علم أن تينسي وليامز قد شوهد في طنجة في صيف 1973، قرر شكري فوراً أن يتحرّى الزائر الأمريكي المشهور.
كان هناك حاجز لغوي، شكري يحسن الإسبانية ويتكلم فرنسية مقبولة، فضلاً عن العربية، أما انكليزيته (كما هي إسبانية وفرنسية تينسي) فهي ابتدائية، وكلاهما يملك مزاجاً مناقضاً في مظهرين هامين. إن دعابة تينسي فجائية ومتفجرة، ودعابة شكري خفية وممتنعة. شكري يبحث عن النقاش الأدبي، وتينسي يفضل تجنبه، أحدهما نسبياً مجهول، والآخر جدّ مشهور، ولكن فيما يقال إن المضادان تتجاذب، فربما يراد التعبير عنه هو أن المشابهات تنبع رغم الاختلافات.
إن شكري مثلما هو تينسي كلهما هارب من ماضيه، كلاهما غير مكترث بكل بشيء وكلاهما متوحد. وإذا كانت حكاية شكري حول عبور تينسي في طنجة الذي دام ثلاثة أسابيع، خلال الصيف، قد أعطت أثرها، فذلك أن الأمر يتعلق بمجموعة من اللحظات، بسلسلة من المقاطع التي تظهر كيف تنشأ الظرافة من الفضول. “إن الطريقة التي يعبر بها تينسي تروق لي” هكذا يقول شكري ذات لحظة. إنه بالغ الصدق فيما يقول، وأجود من هذا الكيفية التي يبلغ بها إلينا