أشد ما يواجه المسلم من الأخطار: ما يهدد وجوده المعنوي، أي: ما يهدد عقيدته، ولهذا كانت الردة عن الدين-الكفر بعد الإسلام-أشد الأخطار على المجتمع المسلم، وكان أعظم ما يكيده له أعداؤه أن يفتنوا أبناءه عن دينهم بالقوة والسلاح أو بالمكر والحيلة.
اختلف الكلام بين العلماء عن الردة وعن المرتد، وعقوبته في شريعة الإسلام فقال البعض إن القرآن لن يتعرض لهذه الجريمة قط في آياته. وقال آخرون إنه لم يرد في عقوبة المرتد إلا حديث واحد، وحاول آخرون أن يهونوا من شأن الجريمة وخطوته.
هذا الاختلاف في الآراء هو الذي دعا الدكتور يوسف القرضاوي إلى إعداد هذه الدراسة التي يجتهد فيها أن يبين الحق في هذه الأمور التي التبس فيها الحق على جهابذة الأمة بالباطل، معتمداً على نصوص القرآن وصحيح السنة، وفهم الصحابة وأقوال جهابذة الأمة. وقد استبان له أن القرآن لم يهمل جريمة الردة ولا عقوبتها بالكلية كما زعم الزاعمون، وأن السنة لم يرد فيها حديث واحد عن عقوبة المرتد بل عدد من الأحاديث. كما وضع خطورة الردة على المجتمع، وأنها يمكن أن تقسمه وتمزقه، وتوقعه في فتنة عمياء، بل في حرب أهلية يقتل فيها العباد، وتدمر فيها البلاد، وتأكل الأخضر واليابس.