إنّ من يقرأ سيرة جمال الدين القاسمي يعرف أنه كان أحد أعلام الإصلاح في الشام، فقد سبق معاصريه من العلماء، فأعلن دعوةً تحمل أفكاراً نيّرة من أجل النهوض بالمجتمع الذي ران عليه الجمود والتأخر بسبب بُعْده عن فهم الدين فهماً صحيحاً.
كان القاسمي سلفيَّ الرأي، لكنه لم يخرج بسلفيته إلى الشَّطَط والعنف، وإنما احترم جميع المسلمين؛ فأجلّ خاصتهم وعَذَر عامتهم… أخذ عن الأئمة الأربعة، واحترم علماء التصوُّف الكبار، وكان هدفه من كل ذلك الإستفادة من جهود أهل العلم، والأخذ بكل رأي صحيح يفيد الناس ويعلو بالمجتمع.
ومع أن القاسمي كان يدعو إلى ربه بالحكمة والموعظة الحسنة المستندتين إلى القرآن الكريم والسنّة، فقد لقي عَنَتاً ممَّن حَوْله، واجهه يرضى وصبر، وربَّى طلاباً تابعوا الطريق من بعده.
إذا عرفنا أن القاسمي مات ولم يصل إلى الخمسين، وأنه ترك مؤلفات جاوزت المئة؛ أجلّها تفسيره للقرآن الكريم في سبعة عشر مجلداً، وأنه كان كثير العيال فقير الحال، وأنه عاش في زمن الجواسيس والرقابة والتهديد… أدركنا مَنِ الرجل مِنْ بين العظماء.