«ها هي ذي الرّيح تمزّق حجب الغيوم الكثيفة، وها هو ذا شعاع الشَّمس يسطع في زرقة السَّماء، وها هي ذي هذه البهائم الممراح تستقبلها بصرخة واحدة وهي تفتل شواربها فوق أشداقها الطَّيِّبة. أيُّ إنسانٍ يستطيع أن يمنع نفسه من ضم هذه الحيوانات، ذوات القائمتين، ومن تقبيلها؟ إنها حيوانات ذكيَّة فيما تعمل، ماهرة فيما تصنع، وإنها لتغرق في العمل حتى تنسى نفسها. وهل يستطيع شيءٌ في الوجود أن يقاوم هذه الطَّاقة من العمل الذي بدأ، وهذه الفورة من القوَّة التي تفتَّحت راضية ومطمئنة؟ إنها قادرة على خلق المعجزات، قادرة على أن تَهِبَ، في ليلة واحدة، للأرض كلَّها ماء يملؤها قصوراً رائعة ومدناً زاهية زاهرة تخجل منها القصور والمدن التي ورد ذكرها في الأساطير».
ومكسيم غوركي في كتابه هذا يقصّ علينا أنباء تلك الانطلاقة إلى المجد والحريَّة، وأخبار تلك الثَّورة التي اشتعلت نيرانها في بلاده فنقلتها من جحيم الذُّل والجهل والفقر والمرض إلى نعيم العزة والعلم والثَّروة والعافية