«تتسلَّل إلى داخلك نظراتُ الإشفاق من التقدُّم في السن والمرض والعُزلة والوَحْدة. تختلط، وتتشابك، فلا تستقر على معنى محدَّد. تكتفي بمشاعر الضِّيق والتوجُّس من شيء لا تدرك كُنهَه. يرهِقك انعكاسُ ما تقرؤه على تفكيرك، وتصرُّفاتك، والنظرات المحدِّقة. لا تراها، لكنك تشعر بها، تعرِّيك، تفضحك …»
في الفصل الأخير من العمر، حين يحلو للجسد أن يخذُل صاحبَه، تبدو كلُّ الذكريات شديدةَ النضارة، وتغدو الرؤية شديدةَ الوضوح، وحين يحدث كل هذا في الإسكندرية أمام البحر، يجد الأسى طريقَه إلى النفس. هذا ما جرى لبطل روايتنا؛ ذاك المترجم الذي وهَب عمره كلَّه للترجمة، فصار مهووسًا بتقليب الاحتمالات والغرق في دوَّامة الخيارات، وعندما أدرَك أنه في فصل حياته الأخير، لم ينشغل بالموت النهائي الوشيك، وإنما بما يموت فيه أثناء انتظاره الموت! يشعر في أعماقه بأنه شاب، فيواصل انشغالَه بالترجمة وانخراطَه في النقاشات الدينية والسياسية مع أصدقائه القدامى في مَقهاه المفضَّل، لكن جسده لا يكفُّ عن خِذلانه!