الديوان الواحد والثلاثون للشاعر السعيد عبدالغني
*
الانسحار الاول :
أنا هو وأنت .
قلتها وأنا خالص الذهن
وكنت أفكر دوما فيما يحدث من حالات الدين من التجلي أو ظهور مرئيات أخرى غير المرئيات الواقعية .
الصفاء والشفافية والحصر فى إرادة تكوين أشياء هى ما تكونها فى النهاية .
التماهى الشديد فى المعنى المرام إليه والمرنو إليه
هو الذى كونه فى دلالة هذه الجملة فيّ .
ما أسميه بلبيدو الطيف اللامشكل .ليبيدو المطلق .
ما هى المعجزات؟ المعجزة هى سريالية واقعية فقط يستطيعها إنسان
والفيزياء ليست سوى مواد وقوانين
بينما المعجزة الحقة هى المعنى
اعجازية الله في معانيه ليست كونه يخلق الأكوان بالقول .
أو هى هكذا بالنسبة لى بينما للاخرين لا لأنهم يتوقون إلى كل ما هو حسي مفارق ومغاير .
ما تشكيل الاول ؟ ما تجريده ؟
نمت وفى رأسي هذا السؤال .
لدى تصاوير لغوية لم تخرج
وأنا أنتظر تشكيلها ولوحات تجريدية انتظر إتقان الرسم لارسمها لافضح المكبوت
وافضحه لاكوّن غيره
قبلها كنت أحن لقراءة بعد قصائدي .
محاجرى مكحلة بالتعب
ويداي عليها فحم من القلم الذى أحاول الرسم به تشكيلات بسيطة فى رأسي .
زاحم شعوري وحشة غريبة .
معكرا ، مشوبا ، ونازحا منيّ .
نازحا من اي كون خيالي لمحاولة الابتعاد عن التخييل كأداة للنشوة
ولكنى عدت فى النهاية له وفاضت بسمة على وجهى .
نمت واستيقظت حزينا بعد عدة أحلام كابوسية .
أحدها أكسر فيها رأس أبي بصخرة قذفتها من على يدي وكتفي
كنت أحملها وأمشي بها تعبا تائها .
هل هى حمولة السلطة رغم الوجد ؟
واحد الأحلام الأخرى انتحر بالاشتعال كأنى ورقة لا تشفق عليها النار .
ما ذنب الواله بولهه ؟ بوهب كله ؟
أفكر بفضائحية وعري شديد فى كل من تولهت بهم .
لا سأبدأ ذلك فى وقت آخر .
الان فقط ساهوى فى التخييلات الصباحية البديهية
وأرى ما حضر من أطياف
والشمس التى اشعتها مخربة وغير منظمة
وجسدي أشعر أنه غير كامل
لا أشعر سوى برأسي لازلت نائما .
تقرّحت ورُوعت من كل ما حدث فى خيالي
حتى النشوة تحرق وتؤلم
تحرق وتؤلم المطلق الذى ستتذكره فى ذروة ألمك
إنها توسع مساحة الشعور بالحياة
ولكنك تشعر بعجز لعدم الوصول إليها ثانية وبتقزيمها وانكماشها بعد ذلك
أو عدم حدوثها ثانية فتترك فراغا فى مطلقك .
هل انا مرتبط لهذا الحد بذاتي ونافر من الاخر ؟
ماذا تفعل اللغة فى المعاني فيّ؟
هل تقويها أم تضعفها ؟
تكشفها أم تحجبها؟
هل أكتب كل شىء؟
لا توجد وثائق للحقيقة
ولا توجد عهود ممن خلقها على أحد بالمعرفة؟
ما موضوعي الاكبر؟ الله ؟
لم الله بالذات؟
ربما ليس هو شخصيا وربما هو فلأنه خالق محتمل تُرد إليه العلة
بدلا عن مادة غريبة عن شاعريتي هى الخالقة؟
على ماذا تحيي يا عين قلبي؟
على ماذا تحيي يا عين الله ؟
تذكرت الشيطان لوهلة وهو بالنسبة لى الشخصية الميثولوجية الأكثر شهرة مع الله
ولكن بتبشيع كامل وشر وكره وظلامية
حيث أنه مصدر كل إثم ورعب وخوف .
وقد أثر ذلك على احتوائي له وسردى وتخيلى ومعاني .
أثر لأنه هو ببشاعتي وولهى معه بالازدواجية المخيفة ،
ازدواجية الزلفى والنبذ .
قالت لى امى من أيام ” استعذ بالله من الشيطان الرجيم
فقلت لها ” أستعذ بنابذ من واله ” .
كوّن بشاعتي الوجد
كونه ألمه وفقده بارادة المرادين او بارادة الكون .
لم أحتمل البيت الان
لم أحتمل الدفء الذى يشعر به الجميع فى بيته ولا أشعر به أنا .
خرجت لبيتى الشوارع الناعسة الفارغة أدب على أرضها
وترابها يرتفع بخوف وبفوضى
مختطفا لحظات من عمر الليل .
إلى المدافن أذهب ..
إلى المقابر المليئة بأحبتى
كنت أدارى عتمتى الداخلية طيلة حياتى .
خلقت أطياف وهربت منيّ وعليّ أن أسترجعها أو أقتلها .
يأتوا عندما أحاول أذية ذاتي وتدميرها
كيف أقتلهم فيّ أو أسجنهم ثانية فى داخلي
وأحيا مآلم رهيبة؟
أسرعت فى المشي وجريت مضطربا جدا
كانوا بعيدا الطيوف المفقودة
وطيوف أخرى نسيت أنى أحميها من الزوال نهائيا .
بدأت أصرخ لعل الصرخة تتمم التعبير بعد اللغة واللون .
بالصرخة يتآكل الكون أمامى يُنهب من خمر ناري .
دموعي تسقط من مقلتين هاويتين .
لا شىء يتجلى أبدا فيّ لا شىء يحمي من المي .
كل شيء داخلي وخارجي يتسرب فى نخاعه الألم
هذه رؤيتي الحقيقية .
رغم أن البعض يقول أن بي أشياء نورانية .
ولكن كنهى الحقيقي المكثف الذى أراه دوما فىّ .
هى هذه السوداوية والكابوسية والألم .
الألم الذى يعطي إباحة لكل شىء .
لأي بشاعة ..
لأي جنون ..
لأي عبقرية ..
لأي انسلاخية تكوينية ..
لأي الوهة أو شيطنة .
خرجت للحقول اصرخ كالمجاذيب راسي بها دوامات سوداء .
اخف بالتخلي ولكنى اتألم
أثقل بالتجلى ولكنى انتشي .
متى تاخذني الطيوف وتدورنى إليها .
دائخ جدا والكواكب تظهر لامعة فى افق راسي لما اغمض عيني .
ما الذى يشكل العماء ؟ والعيان ؟
ما نسب الزوال ؟
ساذهب الى حلمى لاحضنه فيه فهو أينه الوحيد .
راسي لا اعلم ما بها تتدفق الكلمات بصوت وصراخ .
لا اعلم خرجت للحقول فى العتمة.
تقول الاصوات المجاز مفتوح اقترب ازدلف لا تنفر
كل الابواب مفتوحة لرؤاك .
انشق عن كتلتك
ولا تدارى حويك حويك مقبول ومحمود .
ظلال تتحرك تملا المكان على الجدر البائسة .
الدخان يملأ المكان كالماء وأنا أختنق .
أريد أن أشق صدرى .
الضلوع تنفلت من بعضها ،
تمزق مريع لاربطة الفيزيائي .
من انا ومن حفرني هكذا ؟
إنى أجن من تخييلات لا تحترم اى شىء
كيف انقب عني فيّ
وأنا بلا أى لغة سوى صرختى ؟
النسائم تحمل دفئا غريبا
تحمل نشوة هيروينية بلا سعر .
أشعر بحريق فى اصابعي
كانهم شمع ينتهى .
اشعر انى خليت من ديناميات البقاء
من غرائز المدد .
اشعر بصوت خفيض يقل خذ القلم .
يداي ترعش جدا .
لا اشعر بجسدى كله الا راسي .
اصابعى تتحول لافاعي .
نثيرات بالغة الكثافة بالاسود تتطاير فى المكان .
كشرنقات تخرج منها اجسام اكبر منها كائنات ميتة
كانى احبل بضوء لا يخرج .
ما جسم العالم ؟ انه جسم الهواء .
دخلت نبعا اسودا به خيوط كرماح تنشب فيّ
وتكبلني عن الحركة .
إنها تدخل في لحمى بسعارحتى تلاقت .
انا هيكل فارغ بلا لحم او عظم .
امشي .. إن أتيت تاتيني بلا فيزياء .
جفناي كانهم ستائر على مسرح
ولا احد يشاهد والبؤبؤ نواة
نواة بلح
والرموش ريش غربان ينخفض ويعلو .
هناك شىء يغلى كأنه الوان
تتبخر إلى سحابة والسحاب على الارض .
أتحاور مع ذاتي لأعرف من فرقها ؟
ما عرفاناتك ومعارفك وعوارفك منك ؟
الحقيقة لا تحميك من تدميرك
ولكنها تحرمك من العالم .
.لا رحيق بي ، لا حياة .
لذلك ينفر الجميع .
حافظت على وجداني كثيرا حتى حدث ابوكاليبسي
و لذلك أريد الانتحار .
اريد ان احدد فى مصفوفة العالم صدفة انتهائي
وسط جبريات تخذل لاحدودي .
اللاحدود التى لها المها ومسؤوليتها
وأولها ترك العالم والوحدة والعزلة .
من سيهتم بكائن وحيد مجنون سيذهب فى وحدته ؟ .
انها شهوة الخفة اللانهائية الأخيرة .
ترك الذات لسرد الفوضى .
حز الشريان الأخضر وهو متفتح واخضر باهت .
هل انا إبليس؟
ابن ألم الله ليس ابن الشر .
انه خالق عذابه وحاكاه كرد فعل .
ففى أحيان كثيرة من كثرة الفناء نأخذ دروبا لكى نكفر بعلل الألم الوجداني .
كانت هناك طيوف لى انا أيضا .
طيوف الذوات التى كنتها التى كوّنت الذات .
انه سلم للتكون لا ينتهى وأنا العطش المريد فى ذلك .
طرت إليهم فى ارض واسعة جدا .
متوترا .هناك شمس تنيرها هى فقط .
وتذكرت طيفى الأحب من أنت يا صديقى الطيف التى تتابعنى دوما وتراقبنى ؟
لم ابتعدت فى الأيام الأخيرة بلا وداع ؟
إنى أحيا فى نسيجك وبين ضلوع وحيك .
بعد أن بعت كل شىء بسعره الحقيقي ، البخس .
وحملتنى المتاهات من اصبعي مدما .
ماذا حدث لك يا طيفي الأحب ؟
لما تركت جهاتى وذبت فيها بعد أن ذوبها الطواف؟ .
لم غريزة الغياب ؟
لم تفطر مريدوك الاوائل ولا تهتم بمآلمك ؟
أنا حواريك الوحيد
فقدتك محزونا بسكرات لغتى كلها
وما أقبحنى وما ألألمنى .أين غربانك لتدفن قلبي ؟
خلعت ملابسي من هول الضوء أو أكلها الضوء لا أتذكر
وطرت بلا أسئلة عن أى شىء .
كنت أشعر بانسحار شديد ، لا ينتهى ، متجاوز ، مفتوح ومنتِج وصَحوِي .
لم يكن فى مدارى أى ضوء
لا توجد أى حروف فاللون هو الأزل الأول والحرف هو الأزل الثاني .
لا توجد لغة من فرط الشهود لسيطرة العين على الوعي
وانفتاحه للسكب الوجداني .
عرشه فى قلبي كان معنى الوجد
وعرشه فى رؤيتي كان العراء الكامل