الكتاب مجموعة مقالات نشرت بمجلة حراء ومحاضرات مفرغة للدكتور فريد الأنصاري بالإضافة إلى قصائد لفتح الله كولن عربها الأنصاري بلمسة فنية ولسان فصيح.
لولا أني رأيتُهم لقلت إنه مجرد وهمٍ أو هُراء أو خيال.. ظلال نورية لجيل الصحابة الكرام، جمعوا بين خصلتين عظيمتين من خصالهم الكبيرة: الهجرة والنصرة. فلم يكن منهم مهاجرون وأنصار، بل كانوا مهاجرين أنصارًا، وللصحابة فضلهم الذي لا يبارى!
والهجرة إلى الله سبحانه وتعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام كلمات تتلفظ بها الأفواه ولكن قلّما تعيها القلوب. فأن يترك الفتى حياة الراحة والدعة وبريق المدينة الجذاب، ثم يضرب في الأرض ليغوص في غربة بعيدة، يحمل في يده قنديلا من نور؛ بحثًا عن المستضعفين في بقاع الأرض، من أجل إطعامهم جرعة من رحيق الحياة، فيتحمّل في سبيل ذلك فناءَ نفسه وذوبان ذاته ونسيان دنياه. فتلك تجربة روحية لا يعرفها حقًّا إلا من عاناها، وإنها لعقبة دونها عقبات، تنتصب في مدارج المجاهدات.
من بلاد الأناضول تشرق شمسهم، ثم تتدفق أشعتها نحو كل العالم خيوطا بلورية وهّاجة، تصل الأرحام القديمة وتذكي الحنين الجريح.. مهاجرون تركوا خلفهم كل شيء وانطلقوا كالخيول العارية، يفتحون الأبواب والنوافذ للمحاصَرين في كل بقاع الأرض، ويعلّمونهم كيف يستنشقون من جديد هواء الفضاء الفسيح، بعدما فقدوا إحساسهم بالحياة منذ قرون.