تقف الحضارة الإسلامية عالية الرأس شامخة البنيان، فقد قدمت للإنسانية ما لم تقدمه حضارة أخرى، من إبداع وابتكار في مجالات الحياة المختلفة، بما يحقق السعادة الكبرى لأبناء المجتمع الواحد، وذلك من خلال التكافل والتكامل بين أفراده، وقد كانت الأوقاف الإسلامية واحدة من تلك الإبداعات الفريدة في تاريخ الإنسانية كلها.
لقد كانت مسائل الأوقاف من أهمِّ القضايا التي تناولتها المصادر التشريعيَّة وكُتب الفروع؛ ذلك أن النبيكان أوَّل من أوقف في الإسلام، ثم تبعه الصحابة -غنيُّهم وفقيرهم- في هذا الأمر المهمِّ؛ وما فعلوا ذلك إلاَّ تحقيقًا للغاية التي من أجلها وُجِدَ الوقف؛ ألا وهي ابتغاء وجه الله I ورضوانه.
ثم سارت الأُمَّة الإسلاميَّة على درب هؤلاء الأفذاذ، ومع مرور العصور وتوالي الأزمان بدأت تتكشَّف القيمة الحقيقيَّة للأوقاف؛ إذ إنها ساعدتْ بل أسهمت بدور حيوي في حلِّ المشاكل التي واجهتها الأُمَّة عبر تاريخها الحضاري الطويل؛ من أدواء مادِّيَّة وأخلاقيَّة واجتماعيَّة ونفسيَّة وعلميَّة وعسكريَّة.. وغيرها، وهو ما لم نجده في أي حضارة أخرى.