وقد جعلنا من الجمع بين الأخلاق والدين أصل الأصول الذي بنينا عليه، في الكتاب الذي بين يديك، مساهمتنا النقدية للحداثة الغربية. ولا يخفى علينا ما قد يثيره بناء هذا النقد على الأخلاق الدينية من مشاعر الاستنكار في نفوس المقلدة من المفكرين “الحداثيين” العرب. ولو أنهم رجعوا الى أنفسهم لوجدوا أنهم يبيحون لأنفسهم ما يحرمونه على غيرهم، فإذا جاز عندهم أن ينتقدوا الديني بواسطة ما هو لا ديني، فلم لا يجوز عند سواهم أن ينتقدوا اللاديني بواسطة ما هو ديني.! وإذا جاز عندهم أن ينتقدوا الأخلاق الإسلامية بواسطة الحداثة العلمانية، فلم لا يجوز عند سواهم أن ينتقدوا الحداثة العلمانية بواسطة الأخلاق الإسلامية. فلا بد أذن من طلب أخلاقيات تنأى عن السطح الذي وقفت عنده الحداثة وتغوص في أعماق الحياة وأعماق الإنسان، فلا أعمق من حياة تمتد من عاجلها الى آجلها ولا أعمق من إنسان يتصل ظاهرة بباطنه