حصل علي شهادة الليسانس بتفوق، وتقدم بقلب جسور ليقبض علي حلمه بالالتحاق بالنيابة العامة. لم يكن يعرف وقتها أنه بتخرجه في الجامعة كان عليه أن ينتقل من فوره من عالم الطلبة إلي عالم الكبار. من كونه طالباً دوره في الحياة أن يذاكر ويحلم ويحب إلي كونه بالغاً وراشداً عليه أن يبدأ في فك لوغاريتمات الحياة، تلك الأكواد شديدة التعقيد التي تشكل ضفيرة المجتمع من الشعر المصري الإفريقي المجعد الخشن، التي لا يمكن لأحد أن يفكها إلا بألاعيب الفساد والمداهنة. لكن مع تتالي ضربات الزمن الممهور بختم القاهرة، كانت كل موجة تذيب بفضل أملاحها، وبعض أحماضها بعضاً من سذاجته التي لا شك قد ورثها عن والدته داخل جيناته الوراثية التي منحته أيضاً عينيها الساحرتين.
استيقظ في يوم علي آذان الفجر، قام ونزل إلي المسجد الملاصق لمنزله وصلي الفجر واكتشف بعدها فجأة أنه فقد سذاجته، سقطت منه وهو نصف نائم في لحظة خروجه من بوابة عمارته المهدمة. فقد بكارة طفولته وولج إلي عالم لا يعرفه.. عالم عليه أن يفتح آفاق حواسه لمحاولة اكتشافه، فقد أدرك في الساعة الخامسة وسبع وخمسين دقيقة بالضبط وهوجالس علي الحصيرة بجانب العمود الأيمن للزاوية التي صلي فيها أنه يحتاج إلي 70 ألف جنيه رشوة لتحقيق حلمه. هبطت البصيرة علي عينيه، ورأي مالم يستطيع رؤيته علي مدار أعوام الكلية، علي الرغم من نصائح كل أصدقائه. ظهرت له الحقيقة كرؤيا بعد أن لعبت أمواج الزمن الدوارة دورها في جلاء ذهنه وأدرك بوضوح الحقائق المقدسة لفك رموز مفاتيح الحياة.