لا يتسع المجال لذكر كل القضايا التي أثارها زكي نجيب محمود في حياتنا ولكن قضية الحرية تأتي في المقدمة. وكان له مفهومه الخاص للحرية إذ يرى أن الحرية هي حرية العلم والمعرفة أو بالتحديد حرية المنتج- لا المستهلك- في مجال العلم والمعرفة. والعالم الثالث كله منقوص الحرية مسلوب الإرادة لأنه يعيش على ما تنتجه دول العالم المتقدم من مخترعات وتكنولوجيا متطورة. وعندما يصل العالم الثالث إلى مستوى الإنتاج أو حتى الاستيعاب المثمر لمنجزات عصر العلم عندئذ فقط سيحصل على حريته، وكلما ازداد حجم المعرفة اتسعت آفاق الحرية.
بهذه القضايا التي فجرها زكي نجيب محمود وبتلك الأفكار التي طرحها فتح حوارًا مع وطنه وأمته لا ينتهي أبدًا، لأنه حوار يلمس الحاضر والمستقبل. كما أن فيلسوفنا الراحل برع في ضرب الأمثلة البسيطة التي تستطيع العامة أن تلتقطها وتستوعبها بسهولة. وكان في الحوار معه متعة خاصة إذ كان محاورًا هامسًا ومقنعًا يذكرنا بأفلاطون. وهو الذي ترجم محاورات هذا الفيلسوف الإغريقي إلى اللغة العربية ترجمة شيقة، لأنه عايشها معايشة طويلة ووجد فيها ما يتفق مع ميوله.
وبعد فإننا لا نقول لأفلاطون عصرنا زكي نجيب محمود وداعًا بل نقول له إلى اللقاء في مناهج التدريس وكتب التعليم والرسائل الجامعية والمحافل العلمية والثقافية، فلقد تركت فينا ما يخلد ذكراك وما ينفع هذا الوطن في المستقبل