لو أراد الله ألا تحوي الأرض سوى مَن يُطيعه ويأنف من عصيانه، لأهبط ملائكته إليها، وانتهت القصة بتمجيد الرب في الأعالي على وقع موسيقى كونية هائلة، ورفرفة ملايين الأجنحة في المسافة بين الأراضين السبع والسموات السبع.أما وقد منحنا فرصةَ الخلافة، وهو يعلم ضعفنا -لأنه صانعنا- فهذا يعني أنه يتقبَّل أخطاءنا، وجنوحنا، وسقوطنا في الوحل، وانهيارنا في الخطيّة، وتوتّرنا أمام الخيارات المتشعبة، ومخالفة رضاه –لا مشيئته- طوال الوقت.إنه يريدنا أن نتعلَّم بالمحاولة والخطأ، ونرتقي بالمحنة والمنحة، ونفهم بالمعاينة والمكابدة، ولا يبحث عن نهايات سريعة ولا خلاصات جاهزة، لذا يمدّ الأجل، ويُرسل النُذر تلو النُذر، ويقبل التوبة، ويُسبغ الستر، حتى اللحظة التي تغلب فيها طبيعتُنا علينا، ونتوقف عند المحطة التي تلائم جبّلتنا أكثر من غيرها، فنُقبَض عليها، سواء كنت المعصية أو الطاعة.
ولا يوجد كتالوج مُوحَّد لنوال رضا الرب، لا توجد إجابات نموذجية، ولا حلول جامعة مانعة، كلها اجتهادات بشرية قد تصيب وقد تخطئ، وما الأديان –في إطلاقها- إلا خطوط عامة وعريضة لما يمكن أن نسلكه ونسير على هديه، مع ترك مساحات للارتجال ووضع “التاتش” الخاص بنا، إعلاء للفردانية والاختلاف والتمايز بين البشر، وحثًا على التنافس وبذل الجهد لحيازة مراتب أعلى (وإلا لما كانت الجنة درجات).
ولا ينظر الله إلى الخطية، كنظرتنا، ولا يحكم على مُرتكبها كما نحكم، فهو وإن أفردَ الحديث عن صنوف العقاب مقابل كل مخالفة، فقد وضع استثناءات وطرقا خلفية وكفّارات لنوال التوبة ودخول الحضرة وبدء كل شيء من جديد، كأنه لا يريد أن يُطبِّق العقوبة، ولا يريد أن يكون القاهر فوق عباده، إلا عندما يرون هم أنفسهم أنهم يستحقون ذلك، وإلا لما أخطأوا كل هذه الوسائل للإفلات من الجزاء