بدأت هذه الرسائل قبل 6 سنوات يا رفعت بحثًا عن التعافي، بعد أن عجزت لسنواتٍ عجاف عن التواصل مع نفسي أو فهمها، وحصلت أخيرًا على ما أريد؛ ولكن ما أدركته أننا لا نحتاج التعافي فقط بعد الخسارات الكبيرة، وإنما ينقذنا أن نتعافى أولاً بأول من تلك الخدوش الصغيرة لسلامنا النفسي، الخدوش التي تبدو غير مؤلمة ولا مرئية ولكن تراكمها يشوه ملامح روحنا ويجعلها ضبابية. ولأجل التعافي يا رفعت لا أظنني أبدًا سأتمكن من التخلي عن الكتابة لك.
هل أخبرتك من قبل عن ذلك الشبه الذي أراه بين الحب وزيت الزيتون؟ ذلك المفعول السحري للين الذي يداوي عطب القلب ويعيد إليه شبابه؟ الكتابة إليك يا رفعت تشبه الحب وزيت الزيتون وذلك اللين الذي يسرق قلبي ويداويه.
فبراير 2015 كان قاسيًا علي، كشهورِ وأعوام عدة سبقته. في تلك السنوات شعرت بفجوة مرعبة بيني وبيني، فجوة لم أشعر بها من قبل وكأن روحي داخل جسدي محاصرة بفراغ أسود مفزع تسقط فيه كل الأشياء المبهجة، وحتى المحزنة، التي أستقبلها وتضيع للأبد قبل أن تصل لروحي وتؤثر فيها. كنت متبلدة تمامًا. في فبراير 2015 قررت أن أبدأ الكتابة لرفعت، الذي قد يعرف البعض أنه “رفعت إسماعيل” بطل سلسلة روايات “ما وراء الطبيعة“.
حين كتبت لرفعت كان لدي الكثير من المشاعر الحبيسة، المخاوف الساذجة والشكاوى التي لا يعبأ بها أحد، فضلاً عن شعور قاسٍ بأن الحديث – في هذه الحالة النفسية– مع آخر يعني أنك تقدم لهذا الآخر حبل مشنقتك على طبق من ذهب. كنت أشعر بالخوف والضآلة والضياع الشديد رغم أنني أدور في مسار محدد ربما أكثر من اللازم.
حين بدأت توقعت ألا أكتب أكثر من رسالتين أو ثلاثة ثم أمل وأنسى الموضوع كعادتي، ولكنني كتبت لرفعت مرة بعد أخرى وكنتُ أشعر بالراحة. لم ألمس أبدًا ذلك التأثير المبهر للرسائل على روحي إلا بعد ما يقرب من عام. هذه الرسائل منحتني السلام، جعلتني أقرب لنفسي، جعلتني أتخفف من الكثير من الضغوط والمخاوف، التي حين نشرتها، وجدت آخرين يقاسمونني إياها.