«وكان يُظهِر التملمُل، ويثور بلا مناسَبة، فنتركه في حاله — والتعبير له — ونخلو إلى ما ننشغل به. حتى الأغنياتُ التي كان يتذوَّقها في الأيام الخوالي، كنا نستمع إليه وهو يدندن بها بصوتٍ مُتعَب.»
كثيرًا ما تقترن لدينا بعضُ الأغنيات بأماكنَ وذكرياتٍ معيَّنة، وكلما زادت الحساسية الشاعرية لدى المرء، تركَت تلك الأغنياتُ بَصمتها؛ ليس فقط على ذكرياته، بل على وعيه وإدراكه، حتى إن مَشاهدَ كاملةً في الحياة لَتقترن بأغنية سمعناها مصادَفةً في طريقنا، أو استدعاها أحد الأشخاص في أثناء كلامه، أو ترامَت إلى مَسامعنا في وقتها المناسب. هذا بالضبط ما سعى «محمد جبريل» إلى التقاطه في هذا الكتاب، فأخذ يدوِّن جانبًا من سِيرته الذاتية من خلال الأغنيات التي اقترنت بمواقف في حياته، بدايةً من المهد والطفولة إلى الشيخوخة، مرورًا بمُغامَراته في شبابه، ومَواقفه مع بعض الكتَّاب والأدباء، وأسفاره في دول الخليج العربي، وبالطبع ذِكرياته في الإسكندرية؛ مَعشوقته الأثيرة.