أي صحبة خير من صحبة أبي الطيب المتنبي الذي شغل الناس وملأ الدنيا. وأمسك بعنان الشعر. فلم يجاره أحد من قبل ومن بعد, في مقالات هذا الكتاب يقف الطيب الصالح مع قصائد المتنبي وأقرانه من الشعراء وقفة يفكك خلالها نصوصهم ومفرداتهم بأسلوب يتفلت من تقاليد النقد وقيوده المتزمته لكنه يضيء في الوقت نفسه مساحات لم يلتفت إليها أحد من قبل. فهو يلم بقصائد المتنبي وأبي العلاء وامرئ القيس وغيرهم مبيناً نوازع كل واحد منهم وهواجس التي أفضت به إلى قول ما قال.
وهو لا يتورع أحياناً أن يأخذ برأي واحد يخالف فيه سائر الشراح، ومن قبيل هذا رأيه في قصيدة للمتنبي مدح فيها سيف الدولة والتي مطلعها: “ليالي بعد الظاعنين شكول، طوال وليل العاشقين طويل”، إلى أن يقول: “أنا السابق الهادي إلى ما أقوله، إذا القول قبل القائلين مقول وما لكلام الناس فيما يريبني، أصول ولا لقائليه أصول”. والطيب صالح يذهب إلى أن المتنبي أراد بهذا أن يقول لسيف الدولة: “إذا كنت أنت صاحب السلطة والأمر والنهي، فأنا صاحب الفكر والقلم والصوت. إن الملك لا يقوم بك وحدك فأنا شريكك في إقامة الملك”.