يمضي الكوني ويمضي القارىء معه ليغرق في بحور فلسفته العميقة متخذاً من الرمز مطية يطير بها على جناح خيال محلقاً خارج الزمان وخارج المكان.
ولكن الرجل لم يقل شيئاًَ. الرجل قال كل شيء بعينه فتخلى عن القول بلسانه كما تخلى يوماً عن الدنيا بجسده، فلم يجد الباشا مفراً من أن يقول نيابة عنه:
إياك أن تقول إنه القرآن!
هز الرجل رأسه علامة الإيجاب دون أن تفارق النظرة الرهيبة مقلتيه. أفلتت من صدر الباشا صرخة استنكار. هتف بلا وعي: لا!، ولكن الرجل أضاف في اللحظة التي تحول فيها الإيماء في حدقتيه إلى جنون: ليس هذا كل شيء! حشرج الباشا يائساً: ماذا في جعبتك بعد؟! الدم! الدم؟! بلى يا مولاي. لقد سال الدم فلوث صفحات الكتاب! عليك اللعنة.