“في بستان الباشا، بضاحية المنشية، أمر سيدي يوسف بإحضار سيدات الطرب من كل الأجناس: طرابلسيات ويهوديات، وزنجيات وحتى التركيات. وتقول الرواة أن بساتين المنشية لم تشهد في تاريخها كله احتفالاً يمكن أن يضارع في ترفه الإحتفال الذي أقامه سيدي يوسف في تلك الليلة ابتهاجاً بفلاحه في القضاء على “الورم المميت” كما كان يلقب شقيقه البيك سرّاً طوال صراعهما الطويل. لم يبخل سيدي يوسف في تلك الليلة التاريخية على أعوانه بالهدايا، ولا بأنواع الخمور المعتقة التي استولى عليها من أقبية أكابر المنشية، ولا بذخائر البارود الذي استمر يمزق سكون تلك الحقول منذ الغروب ولم يتوقف حتى مطلع الفجر. قيل أيضاً أنه لم يبخل على رجاله الغواني اللائي استجلبهن من ديارهن بالقوة ليستكمل مراسم ذلك الزفاف الذي لم يكن ليكون سوى زفاف روحه الى ممالك الشيطان كما راق لأحد خبثاء المملكة أن يعبر.
أما “غانم” ذلك الزنجي الفظيع الذي كان له في مكيدته المنكرة يداً يمنى، فقد كافأه بوعد قطعه على نفسه أمام جموع فرسانه يقضي بتزويجه من احدى حسان المملكة التي تجري في عروقها دماء سلالات الأناضول جزاءً له على شجاعته، وانتقاماً من بقايا الجالية التركية التي انحازت حسب تقديره الى جانب البيك سنوات صراعه مع هذا العدوّ. في ذروة هذه القيامة من عزف المزامير، وغناء المطربات، وطلقات الرصاص، وهرج المنتشين، انطلقت ولولات النائحات في ربوع البستان المجاور لبستان الباشا.” يدفع ابراهيم الكوني بشخصية سيدي يوسف ليحوك حولها قصة شبيهة بقصة قابيل وهابيل. يغدر سيدي يوسف بأخيه الباشا من أجل العرش، من أجل السلطة والنفوذ وتمضي القصة بأحداثها لتختتم على مشهد سيدي يوسف مع ضيف وكأنهما مثل ضميره الذي يحاسبه على فعلته، والذي ينتهي حواره معه مع لفظ سيدي يوسف أنفاسه الأخيرة.