قد وضع الغزالي في كتابه قواعدًا للتأويل أو وصايا كما سماها:
1- الوصية الأولى : أن لا يَطمَع في الاطلاع على جميع ذلك -أي جميع التأويلات-، وإلى هذا الغرض كنت أسوق الكلام، فإن ذلك -أي علم جميع التأويلات- في غير مطمع، وليتل قوله تعالى: (وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً). ولا ينبغي أن يستبعد استتار بعض هذه الأمور على أكابر العلماء، فضلاً عن المتوسطين، وليعلم أن العالم الذي يدعي الاطلاع على مراد النبي صلى الله عليه وسلم في جميع ذلك فدعواه لقصور عقله لا لوفوره.
2- الوصية الثانية : أن لا يُكذِّب برهان العقل أصلاً، فإن العقل لا يكذب، ولو كذَب العقلُ فلعله كذَب في إثبات الشرع، إذ به عرفنا الشرع، فكيف يعرف صدق الشاهد بتزكية المزكي الكاذب؟! والشرع شاهد بالتفاصيل، والعقل مزكي الشرع، وإذا لم يكن بدٌّ من تصديق العقل لم يمكنك أن تتمارى في نفي الجهة عن الله، ونفي الصورة.
3- الوصية الثالثة : أن يكفَّ عن تعيين التأويل عند تعارض الاحتمالات، فإن الحكم على مراد الله سبحانه ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم بالظن والتخمين خطر، فإنما تعلم مراد المتكلم بإظهار مراده، فإذا لم يظهر فمن أين تعلم مراده، إلا أن تنحصر وجوه الاحتمالات، ويبطل الجميع إلا واحداً، فيتعين الواحد بالبرهان، ولكن وجوه الاحتمالات في كلام العرب وطرق التوسع فيها كثير، فمتى ينحصر ذلك، فالتوقف في التأويل أسلم، فالتخمين والظن جهلٌ، وقد رخص فيه لضرورة العبادات والأعمال والتعبدات التي لا تدرك بالاجتهاد، وما لا يرتبط به عمل إنما هو من قبيل العلوم المجردة والاعتقادات، فمن أين يتجاسر فيها على الحكم بالظن؟
وأكثر ما قيل في التأويلات ظنونٌ وتخمينات، والعاقل فيه بينَ أن يحكم بالظن، وبين أن يقول: أعلم أن ظاهره غير مراد، إذ فيه تكذيبٌ للعقل، وأما عينُ المراد فلا أدري، ولا حاجة إلى أن أدري، إذ لا يتعلق به عمل ولا سبيل فيه إلى حقيقة الكشف واليقين.
ولستُ أرى أن أحكم بالتخمين، وهذا أصوب وأسلم عند كل عاقل.
ثم قال : “وبهذه الوصايا يستبين عذري في كراهيتي للجواب عن مثل هذه الأسئلة” أ.هـ وقد أجاب على الأسئلة ولكن قد ذكرنا الغاية من الكتاب والله أعلم