لماذا يوجد من يقرر لي شكل وروح وطني؟ وكيف تأتّت له السلطة التي تخوله لتجريدي منه لأن جَدّاً لي لا أعرفه – حدث أن سقط رأسه سهواً في موقع جغرافي بعيد؟ حين رسموا الحدود واقتطعوا البلاد وقرروا إسم الوطن الجديد وصفة المواطن الجديدة، حين قرروا أي جزءٍ محددٍ من التأريخ سيُعظم ويُتّبع، لأن الجزء الآخر منه يؤرخ للبلد المجاور.
حين بلوروا المشاعر المثيرة للفخر وقولبوا أشكال الإنتماء لم يحدث أن سألوني، ولو فعلوا بالذات حين اقتطعتُ من جذري ورميت على قارعة غربة هائلة مجرداً من هويتي وعمري، لكنت كفرت بكل تأريخهم، حدودهم، فخرهم وإنتماءاتهم الهشة فهؤلاء الجبابرة القساة أهملوا تماماً حقيقة أنني أنا الوطن بذاته ماشياً على قدمين تحملان عود مراهق نحيل في الثالثة عشرة اسمه لؤي مجيد حسين الصائغ، مواليد العام 1967 الديانة مسلم، لون العينين نرجسي، لون الشعر أشقر، لون البشرة أبيض لولا أنها مالت إلى شيء من السمرة تحت أشعة شمس هذه الأرض التي تلهب كأنها دوماً على شفى بركان، تاركة بصمتها المميزة عليه.
اكتشف بأنه يبدو مريحا له أن يستمر في العيش دون إجابات حادة وقطعية.
الستُ أنا الذي يظهر ليعلن فيختفي مثل شبح؟ أنا الذي تحين الفرص للأفول كأنني ذلك القمر الذي لم يلبث طويلًا ليقنع العابرين بكونه إلهًا جديدًا.
لا أخاف الأشباح، رغم انه يحدث أحيانًا أن أصاب بالقشعريرة حين أفكر فيها. ما يخيفني أمر آخر، ألا يقال أن الأرواح التي لا تبرح دارها تجلب الخراب والنحس.