الرحلة إلى العراق تتخطى حدود المكان والزمان؛ فالحضارات العظمى القديمة حاضرة بقوة في كل ركن بآثارها وعادياتها النفيسة، كما تعبق الأجواء بنسائم قصور الخلفاء العباسيين الذين احتضنت مدينة بغداد العريقة حاضرة خلافتهم، التي طالما شهدت أيام المجد العربي وعلو راياته. ولعل دماء العروبة الحارة هي التي نادت الكاتب القومي الثائر «أمين الريحاني» ليرتحل من وطنه لبنان إلى مدن العراق بعد ثورة العشرين الشهيرة في بدايات القرن العشرين، فيختلط بأهلها ويعاين تنوعهم الثقافي والعرقي ومدى تسامحهم الديني، كما يطلع على الحركة الثقافية والتعليمية هناك، ويبدو أن طبيعته الثائرة الراغبة في الأفضل جعلته لا يتجاوز ما رآه من هنات ومؤاخذات اجتماعية ومساوئ سياسية هنا وهناك، فأشار إليها ضنًّا على العراق العظيم وشعبه أن يعاني مثيلاتها.