قتربت في شبه عدوي, من صوت أوكورديون, يعزف عليه رجل غجري بكرش, يضع على رأسه كاسكيت صوف, ولا أعرف كيف تبينت موسيقى أغنية بياف padam padam, وكيف انتبهت لحمالات البنطلون المعلقة على كتفيه, اقتربت منه فارتفع صوت الأوكورديون, وابتعدت عنه فخفت الصوت, ثم مررت بصوت عجوز ظهرها منحني, تجادل بائع خضار, حتى اختفى الصوت, ثم مررت على رجلين بشعريهما الأشيبين, يجلسان على طاولة صغيرة مستديرة, يتناقشان في السياسة بصوت عال, اقتربت منهما فارتفعت الأصوات, وابتعدت عنهما فخفتت وتلاشت الأصوات.
لا أعرف إن كنت قد تعمدت الاستماع, أم جاءت كل تلك المشاهد والأصوات, كخلفية ذهنية ونفسية تصويرية لشعوري, شعرت بسخونة في جسدي, وأحسست ببلل خفيف تحت ابطي, وبتعب وشد في ربلتي ساقي.
أين ذهب؟ هل سرت في الاتجاه المعاكس؟ ولكنني رأيته يخرج من الكافيه, ويسير في هذا الاتجاه, فهل دخل إلى أحد المحلات التي مررت بها؟ لكني لم أكن أريد التوقف وتضييع الفرصة, ولكن فرصة لماذا؟ هل فقط لأراه؟ ثم ماذا؟
نحيت التساؤلات التي بدأت تبطئ خطواتي, وتبعت حدسي, رغبتي الغامضة التي لا تفسير لها, لا أريد لأي منطق أن يحبطني, لا أريد لأي تفسير أن يضعف طاقتي التي تشبه طاقة الرقص, متعب لكنه يملأ الإنسان بقوة شعورية وروحية هائلة, مثل رقص الإنسان البدائي, الذي يستلقي بعده سابحاً بالعرق, يركض قلبه كحصان بري, يرتفع وينخفض صدره, كبركان يتهيأ للانفجار, ويشعر بعدها أنه تطهر من شياطين الحياة التي لا يفهمها, إلا ببساطة البداءة.