“شق صوت الأذان سكون الصمت المحيط، بدا صوت الأذان غريبًا، وحزينًا، ومألوفـًا في الوقت نفسه. كان نفس الصوت الذي تعودت أن أسمعه يرفع الأذان على مدى الأربع سنوات السابقة. لكنه كان منكسرًا، ذليلاً أسيرًا هذه المرة. كان مخنوقــًا متحشرجًا، كما لو كان على وشك الإجهاش بالبكاء… لا بأس بقليل من الانكسار، في الصوت الذي يرفع الأذان، لكن عندما يكون للذي توجه له الصلاة، أما هذا الصوت، فقد كان انكساره مختلفـًا، كان مشوبًا بذل يشبه ذلّ من أجبر على رؤية زوجته وهي تغتصب وينتهك عرضها، كان ذلك مفهومًا تمامًا… العلقم أيضًا… عندما دخلت المسجد وجدته موحشًا مظلمًا، كانت هناك بعض الوجوه المألوفة، لكن كان فيها شيء غير مألوف… فكرت أنهم ربما يفكرون بالشيء ذاته نحوي. وعند الصلاة بكيت، تذكرت آخر مرة صليت فيها قبل الحرب، صلاة العشاء، عشية الحرب، العشاء الأخير!… وتذكرت دموعي وقتها… أشفقت على نفسي، أبكي قبل الحرب، وأثناء الحرب، وبعد الحرب. ماذا ستكون النتيجة مع هذا البكاء غير هذا الاحتلال والإذلال، غير هذا العلثم الذي أجده على لساني أينما ذهبت؟ وعندما خرجت من المسجد، انتبهت إلى صورة ملصقة على بابه، أنه إعلان عن فقدان شاب. من هو؟ مجرد شاب آخر اسمه “فراس عبد الجبار” قرأت التفاصيل، كان الإعلان يرجو من يمتلك معلومات عن هذا الشاب أن يدلي بها عند عنوان معين… كان الإعلان يقول أيضًا: أنه فقد في منطقة الدورة، بتاريخ معين. تأملت التاريخ 8/4/2003. إنها ليلة سقوط بغداد… فجأة، وجدت الصورة وقد صارت بمثابة صورة جماعية اصطففنا كلنا لنلتقطها: نحن المخدوعين، نحن المضللين، نحن الأسرى المهزومين… فراس عبد الجبار، خرج ولم يعد. ليلة سقوط بغداد… وهذه هي رحلة البحث عنه، وعنا، وعنكم أيضًا، بطريقة ما”.
لم تكن تلك بداية قصة من وحي الخيال، إنها الواقع الأليم الذي ساد العراق أثناء الاجتياح الأميركي لشعبه. في هذا الكتاب يروي الكاتب الدكتور أحمد خيري العمري ما رافق سقوط بغداد من أحداث متابعًا من ثم الأجواء التي سادت بعد تلك الفترة مركزًا على ما أحاط بالشعب العراقي من هموم ومآسي إنسانية واجتماعية ووطنية راويًا كل ذلك بقلم الناقد الواعي الذي لم يترك من الأحداث حتى الجانبي منها لتكتمل الصورة التي سادت العراق في تلك الآونة.ـ