إذا كانت أحكام الشريعة الإسلامية جاءت لتعالج أحوال الناس مطلقا عن الزمان والمكان، إذ العبرة فيها بعموم اللّفظ في مداركها، فإنّها قد انفسح فيها المجال أيضا لاستثناءات من الأحوال التي يشملها العموم، لتخرج من تحت حكمه إلى حكم آخر، وذلك باعتبار خصوصية ذاتية أو موضوعية فيها، تجعل تطبيق الحكم العامّ عليها غير مؤدّ إلى المقصد الشرعي الذي من أجله شرّع، فإذا ما تخلّف المقصد في حال مّا من الأحوال آل الأمر فيها إلى الاستثناء.
وقد كان هذا الأمر قائما في مجمل أحكام الشريعة نفسها، إذ التنبيهات إلى ذلك كثيرة في نصوص القرآن والسنّة، كما جرى عليه النظر الفقهي استنباطا وتطبيقا عند الفقهاء والأيمّة المجتهدين، ثمّ كان ملحظا مبكّرا في التقعيد الأصولي الذي ضبط مناهج استنباط الأحكام الشرعية وتطبيقها، إذ قد قُرّرت في علم أصول الفقه جملة من القواعد التي تلتقي عند معنى استثناء وقائع و أحوال من الحكم الذي يشملها في أصل العموم، وذلك لخصوصية فيها لا يتحقّق معها المقصد الشرعي.
ومن تلك القواعد قاعدة مآلات الأفعال، تلك التي يُقدّر الحكم الشرعي فيها على أيّ فعل من أفعال الناس باعتبار ما يؤول إليه عند التطبيق من تحقيق المصلحة التي وضع من أجلها الحكم العامّ المتعلّق بجنسه أو عدم تحقيقها، فإذا تبيّن عدم تحقيقه المصلحة لخصوصية من الخصوصيات استثني ذلك الفعل من الحكم الشرعي الموضوع له في الأصل، وعدل به إلى حكم آخر يتحقّق به المقصد الشرعي.