تنطوي الخبرة التاريخية على قيمة بالغة، ليس في السياقات الأكاديمية فحسب، وإنما في واقع الحياة. فما ثمة معلم لمسيرة الأمم والجماعات والشعوب كالتاريخ، وهو بما يتضمنه من تجارب الصواب والخطأ، وحشود السنن والنواميس، يمكن أن يغدو دليلاً مناسباً للإفادة من الخبرات الإيجابية وتجاوز تكرار الخطأ الذي يجيء في كثير من الأحيان”أكبر من الجريمة”إذا استخدمنا عبارة السياسي الفرنسي المعروف (تاليران).
والتاريخ كلّه تاريخ معاصر، كما يقول الفيلسوف الإيطالي (بنيديتو كروتشه) مشيراً إلى التأثير البالغ للتجربة التاريخية على واقع الجماعات والشعوب، وإلى إمكان تجدد الوقائع ذاتها بمجرد إن تتهيأ لها الشروط التي تشكلت أول مرة.
ومنذ منتصف القرن الماضي ازداد اهتمام الغربيين بالدراسة التاريخية، وأخذت تتكشف لهم أكثر فأكثر أبعادها الفكرية والسياسية والتربوية، وضرورتها لمسيرة الشعوب والأمم، من أجل تجاوز خطيئة البدء من نقطة الصفر، والاستهداء بالخبرة التاريخية.
وبمرور الوقت أخذت تتزايد نداءات المفكرين بضرورة الرجوع إلى التاريخ، وراحت التجارب الأوروبية المتلاحقة في عالمي الفكر والواقع تمدّ بجذورها إلى الماضي باحثة عن المبررات والحجج والأسانيد، متطلعة إلى الصيغة الأكثر ملائمة للحاضر والمستقبل. وليست تجارب الثورات الفرنسية، وادعاءات تفوق الرجل الأبيض، والشوفينيات الألمانية والإيطالية، والاشتراكيات الطوباوية، والماركسية – اللينينية، إلا شواهد على مدى الارتباط بين الفكر والتجربة المعاصرتين وبين الرؤية التاريخية.