ما إذا كان في العبد محبة لما هو خير وحق ومحمود [في] نفسه، فهو يفعله لما فيه من المحبة له، لا لله، ولا لغيره من الشركاء، مثل أن يحب الإحسان إلى ذوي الحاجات، ويحب العفو عن أهل الجنايات، ويحب العلم والمعرفة وإدراك الحقائق، ويحب الصدق والوفاء بالعهد وأداء الأمانة وصلة الرحم، فإن هذا كثير غالب في الخلق في جاهليتهم وإسلامهم، في قوتي النفس العلمية والعملية، فإن أكثر طلاب العلم يطلبونه محبة، ولهذا قال أبو داود للإمام أحمد بن حنبل: طلبتَ هذا العلمَ – أو قال -: جمعته لله؟ فقال لله عزيز، ولكن حُبِّب إليَّ أمر ففعلته.
وهذ حال أكثر النفوس، فإن الله خلق فيها محبة للمعرفة والعلم وإدراك الحقائق، وقد يخلق فيها محبة للصدق والعدل والوفاء بالعهد، ويخلق فيها محبة للإحسان والرحمة للناس، فهو يفعل هذه الأمور: لا يتقرب بها إلى أحد من الخلق، ولا يطلب مدح أحدٍ ولا خوفًا من ذمِّه، بل لأن هذه الإدراكات والحركات يتنعَّم بها الحيُّ ويلتذُّ بها، ويجد بها فرحًا وسرورًا، كما يلتذ بمجرد سماع الأصوات الحسنة، وبمجرد رؤية الأشياء البَهِجَة، وبمجرد الرائحة الطيبة.