الجزء الثالث من البحث فكان تحت عنوان: مشاريع الشهود الحضاري، وقد تناول فيه بالدرس والتحليل مختلف التجارب الإصلاحية التي قامت بين المسلمين، الهادفة إلى اكتساب التحضر الإسلامي، وقد قسمها الباحث إلى ثلاثة روافد أساسية.
أولا: المشروع السلفي الذي يقوم على مطلب العودة إلى منابع الوحي مباشرة ومدافعة ما طرأ في حياة المسلمين من البدع والحوادث والانحرافات، مع الحث المستمر على الاجتهاد وتجديد النظر ومسالك العمل، وقد أدرج ضمن هذا المبحث كلا من الحركة الوهابية والسنوسية والمهدية.
ثانيا: المشروع الإصلاحي التحرري الذي يبتغي تحرير الأمة من عوامل الوهن والخمول الحضاري تحريرا ينحو منحى الشمولية الجامعة فكرا وسياسة واجتماعا وإرادة، وذلك بإعادة صلتها بمنبع الوحي ليكون موردها في الاعتقاد والتشريع ودفع صائلة الاستبداد الداخلي والهيمنة الخارجية المسلطة عليها، مع محاولات دؤوبة في الاستفادة من الفكر وأدوات التمدن الغربي، وقد تراوح ذلك عند أعلام هذا التيار بين الاكتفاء بالأخذ بالعلوم والصنائع الغربية وبين ضروب من الاستنساخ الذي طال مجالات الفكر والمنظور الفلسفي. ركز رموز هذا التيار – كما يقول النجار – على عوامل التربية والتأهيل الفردي مع استعمال وسائل النشر والكتابة ولكن مع ما يشبه الإهمال
ثالثا: تيار الإحياء الشامل ويقوم هذا التيار – كما يقول الكاتب – على إحياء إيماني شمولي لنفوس المسلمين بما يعيد صوغ شخصية الفرد والجماعة صوغا يجدد الفكر ويحرر بواعث العزم والإرادة وتخلص المسلمين من دواعي التراخي والانهزام النفسي في إطار موقف متوازن من الغرب، موقف يدعو إلى الانتفاع من علومه وصنائعه وأدواته التنظيمية مع توخي موقف نقدي من أبعاده الثقافية وأصول نظمه الاجتماعية. أما من حيث المنهج فقد قام هذا التيار – كما يقول النجار – على الاستنفار الشامل لقوى الفرد والمجتمع. وقد عرض المؤلف في هذا المشروع حركتين من حركات النهضة الإسلامية، الحديثة هما: حركة الإخوان المسلمين وحركة الجماعة الإسلامية، مشخصا تجربة كل من الحركتين الفكرية والتنظيمية في النهوض الحضاري الإسلامي، ثم وقع التعقيب عليهما فيما حققا من مكاسب وأهداف تتعلق بالنهضة الحضارية الإسلامية.