الكتاب الذي شنت عليه الحملات في إيران، وترجم وطبع بعشر لغات حية خارجها، ونشر منه أكثر من ثلاثمائة ألف نسخة حول العالم.
الكتاب الذي قذف مؤلفه بشتى أنواع التهم التي يستطيع اللسان أن ينطق بها، فبعد أن اتهم شريعتي بأنه ماركسي، صدر البيان الشهير ضده، وضد حسينية الإرشاد ليعتبره وهابياً…
حتى كتابة هذه المقدمة لم أتعرف الى رجل تعرض لمثل هذا النقيض من التهم… اللهم إلا علي شريعتي، مما يطرح التساؤل التالي: هل كان شريعتي هو المقصود بشخصه– على قاعدة الحسد– إذا ما نظرنا الى الآلاف المؤلفة من الجامعيين والشباب التي كانت محاضرات الدكتور وخطبه النارية الواعية تستقطبهم…؟
قطعاً هذا التساؤل منطقي وفي محله أيضاً، ولكن لم يكن هذا الاستنتاج كل ما في الأمر، لأن أكبر وأخطر تهمة كانت توجه لشريعتي أنه، وفي وقت مبكر جداً كان من مقلدي الخميني
إن شريعتي لم يكن مقصوداً بشخصه بقدر ما كان المقصود الخط الثوري التغيري الذي انتمى إليه بكل إخلاص، ودفع حياته وشبابه ثمناً لنجاحه، حتى ينتصر هذا الخط النهج بعد وفاته.
وبعد كل ذلك يأتي من يحاول فصل شريعتي عن الثورة، ليكمل ما بدأ به غيره بعيد انتصار الثورة أوائل الثمانيات وهو تيار معروف اليوم، ولا يخفى على متتبع، ولكنه يتلون مع كل مرحلة بألوانها، تارة يرفع شعار التشيع، وأخرى شعار الولاية، والآن اكتشف تهمة جديدة أطلق عليها المنهج الالتقاطي، وعليه فإننا نقول لهؤلاء ونذكرهم بأن تاريخ الشرفاء وفكرهم وإن اخلتفنا معهم في بعض التفاصيل، لا يمكن شطبه بجرة قلم هنا، أو شعار مصلحي هناك، وأن الدماء التي سفكت على مذبح الدين والحرية والوعي، لا يمكن أن يدنس طهرها واشراقها الغوغاء والمنتفعين من الدين وباسمه.
ولا يفوتني هنا أن أعود الى الكتاب – معرفة الإسلام– لأشير الى نقاط أهمها:
1- أن شريعتي تناول في إبحاثه شخصية الرسول الأكرم(ص) من منظور عالم الإجتماع الموضوعي، وليس كرجل من اتباع هذا النبي العظيم، لذا نراه أحياناً يتعمد ذكر الرسول الأكرم(ص) كأي شخصية تاريخية، حتى يصل بالقارئ في نهاية المطاف إلى أن هذه الشخصية العملاقة النبي محمد (ص) تستحق أن تكون بذاتها طبيعياً وموضوعياً النبي والمرسل والقائد والقدوة، وأخيراً الخاتم والمؤتمن على رسالة لا يحدها المكان ولا يفسدها الزمان.
2- ان شريعتي كثيراً ما استعمل مصطلحات غربية أو على الأقل لم تكن من صلب الخطاب الديني ذلك الوقت، ليصبح بعده الكثير من هذه المصطلحات والمفردات من صميم ذلك الخطاب، وحتى من نسيجه المعرفي، وهذا ما استخدم ايضاً في الحملات الظالمة على شريعتي، حيث أضيف إلى تهمه السابقة ماركسي وهابي أضافوا إليه تهمة اسمها المستغرب ولما أصبحت كل هذه المصطلحات من أولوليات الخطاب الإسلامي فيما بعد … يكون هذا بمثابة اعتراف ضمني من النخب التي جاءت بعده بأن شريعتي كان له قدم السبق في تثوير النص الإسلامي في عقول ونفوس الجيل الصاعد، وذلك باستخدام تلك المصطلحات
وهذه هي الترجمة العربية للمحاضرات التي ألقاها الدكتور علي شريعتي على طلابه في كلية الآداب بجامعة مشهد، للعام الدراسي 1966-1967م، وهدفه من هذه المحاضرات هو إبراز الوجه الحقيقي للإسلام واستيحاء مقاصده الأصلية. ومن هنا فقد عمد في القسم الأول من الكتاب إلى إيراد الأساس العقائدي للإسلام. وفي القسم الثاني سلط الأضواء على جوانب وأبعاد شخصية محمد التي هي تجسيد حيّ للإسلام، هذا ولم يكتف لهذا الغرض بتحليل شخصيته نفسياً أو بيان مزاياه الأخلاقية أو نيته التربوية فحسب، بل تعرض لبيان دقائق سيرته في “المدينة” التي خاض فيها تجربة حياتية مكثفة ومضغوطة ومكتظة بالأحداث والعبر، ولا يخفي أن اهتمامه بالوقائع الجزئية لم يكن على النحو الذي يقوم به سائر المحققين ، من أن الغزوة الفلانية وقعت قبل الحادث الفلاني أو بعده وفي سنة كذا… وبالعودة لمضمون هذه الطبعة المترجمة من هذا الكتاب نجد أنها جاءت منقسمة كما النص الأصلي إلى قسمين الأول يتحدث عن الإسلام كرسالة ومبادئ والثاني عن السيرة النبوية، وهذا القسم تجديداً جاء مستفيض الشرح وفيه استعراض سرجي لوقائع تاريخية حصلت في الفترة من هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة حتى وفاته.