“لن يكون هذا إلا نحواً من حديث النفس تعرض فيه كما تريد ذكرياتي والآراء المختلفة التي كونتها لنفسي في شخص ممتاز شاذ، فنان عظيم، قاس قوي الإرادة قبل كل شيء، له ذكاء يقظ دقيق قلق، يخفى من وراء الآراء المطلقة، والأحكام الصارمة، لا أدري أي شك في نفسه، وأي يأس في إرضائها، شعور شديد المرارة عظيم الشرف، كان يثيره في نفسه علمه الدقيق بأساتذة الفن، وتهالكه على ما كان يزعم لهم من أسرار النبوغ، وما كان يحضر ذهنه دائماً من ألوان تفوقهم المتناقضة.
لم يكن يرى في الفن إلا نوعاً من مسائل الرياضة أدق وألطف من الرياضة المألوفة، لم يستطيع أحد أن يردها إلى الوضوح، ولا يستطيع إلا قليل جداً من الناس أن يفترضوا وجودها. كان كثيراً ما يتحدث عن الفن العالم، وكان يقول إن صورة من الصور نتيجة لطائفة من أعمال العقل”.
في هذا الكتاب مجموعة مقالات ومنها الأديب طه حسين وتحدث فيها عن أمور متعددة منها فلسفة أبي العلاء مشبها انشغال أبي العلاء بالفلسفة بدخول الشجن وهنا يقول: “أمام أبو العلاء في سجنه الفلسفي هذا نحو خمسين عاماً، أو استكشف ذات يوم أثناء إقامته ببغداد أو أثناء عودته منها أو بعد أن استقر في المعرة أنه مقيم في هذا السجن منذ رشد وبلا لذات التفكير وآلامه. فجعل منذ استكشف سجنه الفلسفي هذا يبلوه من جميع نواحيه ويختبره على أي موضع من أوضاعه، ولا يرى من هذا البلاء والاختبار إلا سراً متصلاً وألماً مقيماً”.