«لسْنا أمامَ عِلمٍ مقدَّس، بل أمامَ نتاجٍ تاريخيٍّ خالص، صَبَّ كلُّ عصرٍ ثقافتَه وتصوُّرَه فيه. وتَصوُّرُ القدماءِ تَصوُّرٌ تاريخيٌّ خالصٌ يُعبِّرُ عن عصْرِهم ومُستواهُم الثقافيِّ كما أن تَصوُّرَنا المعاصرَ يُعبِّرُ عن رُوحِ عصْرِنا ومُستوانا الثقافي.»
نشأَ عِلمُ أصولِ الدِّين بناءً على مُعطياتِ عصرِه؛ فاستخدمَ أدواتِ العصرِ ولغتَه واصطلاحاتِه، متَّبِعًا منهجًا يُحقِّقُ غاياتِه؛ لذا عبَّرَ خلالَ تلك المرحلةِ (حتى القرنِ السابعِ الهِجريِّ) عن واقعِ الأُمَّة، واستوعبَ ماضيَها وصراعاتِها وأزماتِها وقرأَ واقعَها، وقد تمثَّلَ هذا في ظهورِ الفِرَقِ المُختلِفة. هكذا عبَّر عِلمُ أصولِ الدِّينِ عنِ الواقعِ الاجتماعيِّ من خلالِ مَكنوناتِه ومُتطلباتِه، غيْرَ أن هذا الواقعَ تحوَّلَ إلى تراكُماتٍ تاريخيةٍ وأصبحَ ماضيًا، ولا يَعدو الآنَ سوى تراكُماتٍ نقليةٍ لا تُقدِّمُ شيئًا للواقعِ المُعاش؛ لذا أصبحَ لِزامًا علينا أن نقرَأَ العقيدةَ من واقعِ مجتمعِنا؛ فيَتحوَّلَ عِلمُ أصولِ الدِّينِ منَ الحُجَّةِ النقليَّةِ إلى التحليلِ العقليّ، ثم يَصُبَّ في التحليلِ الاجتماعيِّ للأمَّة.