الهرطقة في المعجم اللاهوتي المسيحي تقابلها البدعة في المعجم الأسلامي. ولكن على حين أن الهرطقة في المعجم الأول لا تعني سوى الخروج على العقيدة القويمة، فان البدعة مشتقة في العربية من نفس المصدر الذي تشتق منه كلمة أبداع. فكأن لا مبدع ألا أن يكون مبتدعاً، أي خارجاً في محصلة الحساب على الأجماع والفكر الجماعي. من هنا الطابع “المهرطق” للدراسات المجموعة في هذا الكتاب، والتي لا تقدم أجوبة بقدر ما تثير أسئلة وتعيد صياغة الأشكاليات، ومنها أشكالية الديموقراطية: هل هي ثمرة برسم القطف أم بذرة برسم الزرع؟ وهل هي محض آلية مرهونة بصندوق الأقتراع أم هي أيضاً ثقافة، ومرهونة بالتالي بصندوق جمجمة الرأس؟
ومنها اشكالية العلمانية: أهي محض أفراز للتطور التاريخي للمسيحية أم لها أيضاً بذورها في الأسلام؟ وفي هذه الحال، ما النصاب القرآني الحقيقي لعقيدة الحاكمية الألهية؟
ومنها أشكالية الترجمة في الأسلام: لا كيف رأت النور، بل كيف قتلت؟ ومنها اشكالية الحداثة: هل اوروبا هي التي أخترعتها أم أنها هي التي اخترعت اوروبا؟
واولاً واخيراً: لم الممانعة العربية؟ أثقافة كراهية الآخر أم الأعتمال المتفاقم للجرح النرجسي؟